* (وتركنا عليه في الآخرين (108) سلام على إبراهيم (109)) * [الصافات، الآيات: 108 - 109] * (وإنه في الآخرة) * أي: في عالم الأرواح * (لمن الصالحين) * المتمكنين في مقام الاستقامة بإيفاء كل ذي حق حقه، وتبليغه إلى كماله وحفظه عليه ما أمكن.
* (ثم أوحينا إليك) * أي: بعد هذه الكرامات والحسنات التي أعطيناه إياها في الدارين شرفناه وكرمناه بأمرنا باتباعك إياه * (أن اتبع ملة إبراهيم) * في التوحيد وأصول الدين التي لا تتغير في الشرائع كأمر المبدأ والمعاد والحشر والجزاء وأمثالها، لا في فروع الشريعة وأوضاعها وأحكامها، فإنها تتغير بحسب المصالح واختلاف الأزمنة والطبائع وما عليه أحوال الناس من العادات والخلائق.
[تفسير سورة النحل من آية 124 إلى آية 126] * (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه) * أي: ما فرض عليك إنما فرض عليهم فلا يلزمك اتباع موسى في ذلك بل اتباع إبراهيم. * (ادع إلى سبيل ربك) * الخ، أي: لتكن دعوتك منحصرة في هذه الوجوه الثلاثة لأن المدعو إما أن يكون خاليا عن الإنكار أو لا، فإن كان خاليا لكونه في مقام الجهل البسيط غير معتقد لشيء، فإما أن يكون مستعدا غير قاصر عن درك البرهان بل يكون برهاني الطباع أو لا. فإن كان الأول فادعه بالحكمة وكلمه بالبرهان والحجة واهده إلى صراط التوحيد بالمعرفة، وإن كان قاصر الاستعداد فادعه بالموعظة الحسنة والنصيحة البالغة من الإنذار والبشارة والوعد والوعيد والزجر والترهيب واللطف والترغيب، وإن كان منكرا ذا جهل مركب واعتقاد باطل فجادله بالطريقة التي هي أحسن من إبطال معتقده بما يلزم من مذهبه بالرفق والمداراة على وجه يلوح له أنك تثبت الحق وتبطل الباطل لا غرض لك سواه. * (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله) * في الأزل لشقاوته الأصلية فلا ينجع فيه أحد هذه الطرق الثلاثة * (وهو أعلم بالمهتدين) * المستعدين، القابلين للهداية لصفاء الفطرة.
* (وإن عاقبتم) * الخ، أي: الزموا سيرة العدالة والفضيلة لا تجاوزوها فإنها أقل درجات كمالكم، فإن كان لكم قدم في الفتوة وعرق راسخ في الفضل والكرم والمروءة فاتركوا الانتصار والانتقام ممن جنى عليكم وعارضوه بالعفو مع القدرة واصبروا على الجناية فإنه * (لهو خير للصابرين) * ألا تراه كيف أكده بالقسم واللام في جوابه وترك المضمر إلى المظهر حيث ما قال: لهو خير لكم، بل قال: * (لهو خير