فإن الإيمان الذي لا يبقى معه سلطان الشطيان كما قال تعالى: * (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا) * أقل درجاته اليقين العلمي الذي محله القلب الصافي ولا يكفي هذا اليقين في نفي سلطانه إلا إذا كان مقرونا بشهود الأفعال الذي هو مقام التوكل كما قال تعالى: * (وعلى ربهم يتوكلون) * والفناء في الأفعال لا يمكن مع بقاء صفات النفس، إذ بقاء صفاتها يستدعي أفعالها، ولهذا قيل: لا يمكن إيفاء حق مقام وتصحيحه وإحكامه إلا بعد الترقي إلى ما فوقه، فبالترقي إلى مقام الصفات يتم فناء الأفعال فيصح التوكل. * (إنما سلطانه على الذين يتولونه) * في مقام النفس بالمناسبة التي بينهما في الظلمة والكدورة، إذ التولي مرتب على الجنسية * (والذين هم به مشركون) * بنسبة القوة والتأثير إليه، بل بطاعته وانقياد أوامره للتولي المذكور.
[تفسير سورة النحل من آية 106 إلى آية 111] * (من كفر بالله من بعد إيمانه) * لكون الظلمة له ذاتية بحسب استعداده الأول والنور عارضيا، فهو في حجاب خلقي عن نور الإيمان إن اعتراه شعاع قدسي من نفس الرسول أو من فيض القدس أو أثر فيه وعدا ووعيدا، أو كلمة حق في دعوته إلى الحق في حال إقبال من قلبه ودعاه داعية نفسانية من حصول نفع ودفع ضر ماليين أو جاه وعزة بسبب الإسلام، آمن ظاهرا، ومقامه ومقره الكفر، فقد استحق غضب الله لأنه محجوب بحسب الاستعداد عن أول مراتب الإيمان الذي هو شهود الأفعال بالاستدلال من الصنع على الصانع فعقابه من باب الأفعال والصفات لا الذي * (أكره) * على الكفر بالإنذار والتخويف * (وقلبه مطمئن) * ثابت متمكن مملوء * (بالإيمان) * لنورية