تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٣٩٢
* (وضرب الله مثلا) * للنفس المستعدة، القابلة الصافية عن الكدورات، المستفيدة من فيض القلب، الثابتة في طريق اكتساب الفضائل، الآمنة من خوف فواتها وفنائها، المطمئنة باعتقادها * (يأتيها رزقها رغدا) * من العلوم النافعة والفضائل الحميدة والأنوار الشريفة * (من كان مكان) * أي: من جميع جهات الطرق البدنية كالحواس الممتارة إياها قوت العلوم الجزئية، والجوارح، والآلات التي تطاوعها في الأعمال الجميلة، وتمرين الفضيلة إذا كانت منقادة للقلب مطواعة له، قابلة لفيضه، باقية على معتقدها من الحق تقليدا. ومن جهة القلب كإمداد الأنوار، وهيئات الفضائل، فظهرت بصفاتها بطرا وإعجابا بزينتها وكمالها. ونظرا إلى ذاتها ببهجتها وبهائها فاحتجبت بصفاتها الظلمانية عن تلك الأنوار ومالت إلى الأمور السفلية من زخارف الدنيا واللذات الحسية وانقطع إمداد القلب عنها، وانقلبت المعاني الواردة إليها من طريق الحس هيئات غاسقة من صور المحسوسات التي انجذبت إليها * (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) * بانقطاع مدد المعاني والفضائل والأنوار من القلب والخوف من زوال مقتنياتها من الشهوات والمألوفات الحسية والمشتهيات * (بما كانوا يصنعون) * من كفران نعم الله باستعمالها في طلب اللذات الحسية والزخارف الدنيوية ولظهورها بصفاتها وإعجابها بكمالاتها وركونها إلى الدنيا ولذاتها واستيلائها على القلب بهيئاتها وأفعالها وحجب صاحبها عن نوره ومدده بطلب شهواتها، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: ' نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ' بقرية صفتها ما ذكر.
* (ولقد جاءهم رسول منهم) * أي: من جنسهم وهي القوة الفكرية التي هي من جملة قوى النفس بالمعاني المعقولة والآراء الصادقة * (فكذبوه) * بعدم التأثر بها والانقياد لأوامرها ونواهيها العقلية والشرعية وترك العمل بمقتضاها وقلة المبالاة بها، ولم يرفعوا بها رأسا عن الانهماك فيما هم عليه * (فأخذهم) * عذاب الاحتجاب والحرمان عن لذة الكمال في حالة ظلمهم وزيغهم عن طريق الفضيلة ونقصهم لحقوق صاحبهم.
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»