بالتوحيد والنبوة على التقليد لا التحقيق، وإلا لتجردوا بعلم اليقين عن صفات النفس إلى مقام القلب، فتتوفاهم الملائكة طيبين على صورة أخلاقهم وأعمالهم الطيبة الجميلة، فرحين مستبشرين * (يقولن سلام عليكم ادخلوا الجنة) * أي: الجنة المعهودة عندهم، وهي جنة النفوس من جنات الأفعال * (بما كنتم تعملون) *.
* (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء) * إنما قالوا ذلك عنادا وتعنتا عن فرط الجهل، وإلزاما للموحدين بناء على مذهبهم، إذ لو قالوا ذلك عن علم ويقين لكانوا موحدين لا مشركين بنسبة الإرادة والتأثير إلى الغير، لأن من علم أنه لا يمكن وقوع شيء بغير مشيئة من الله، علم أنه لو شاء كل من في العالم شيئا لم يشأ الله ذلك لم يمكن وقوعه، فاعترف بنفي القدرة والإرادة عما عدا الله تعالى فلم يبق مشركا، قال الله تعالى: * (ولو شاء الله ما أشركوا) * [الأنعام، الآية: 107].
* (كذلك فعل الذين من قبلهم) * في تكذيب الرسل بالعناد.
* (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * الفرق بين إرادة الله تعالى وعلمه وقدرته لا يكون إلا بالاعتبار، فإن الله تعالى يعلم كل شيء ويعلم وقوعه في وقت معين بسبب معين على وجه معين، فإذا اعتبرنا علمه بذلك قلنا بعالميته، وإذا اعتبرنا تخصيصه بالوقت المعين والوجه المعين قلنا بإرادته، وإذا اعتبرنا وجوب وجوده بوجود ما يتوقف عليه وجوده في ذلك الوقت على ذلك الوجه المعلوم قلنا بقدرته، فمرجع الثلاثة إلى العلم. ولو اقتضى علمنا وجود شيء ولم يتغير ولم يحتج إلى ترو وعزيمة غير كونه معلوما وتحريك الآلات لكان فينا أيضا كذلك.
[تفسير سورة النحل من آية 48 إلى آية 55] * (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) * أي: ذات وحقيقة مخلوقة، أية ذات كانت من المخلوقات * (يتفيأ ظلاله) * أي: يتجسد ويتمثل هياكله وصوره، فإن لكل شيء حقيقة هي ملكوت ذلك الشيء وأصله الذي هو به، هو كما قال تعالى: * (بيده ملكوت كل شيء) * [يس، الآية: 83]. وظلاله هو: صفته ومظهره، أي: جسده الذي به