وقال بعد قوله: * (آتيناه حكما وعلما) *. * (وكذلك نجزي المحسنين) * في الطلب والإرادة والاجتهاد والرياضة، ومراودة زليخاء إياه عن نفسه وتغليقها الأبواب عليه إشارة إلى ظهور النفس اللوامة بصفتها. فإن التلوين في مقام القلب يكون بظهور النفس كما أن التلوين في مقام الروح يكون بوجود القلب وجذبها للقلب إلى نفسها بالتسويل والاستيلاء عليه وتزيين صفاتها ولذاتها، وسدها طرق مخرجه إلى الروح بحجبها مسالك الفكر ومنافذ النور بصفاتها الحاجبة وهمه بها ميل القلب إليها لعدم التمكين والاستقامة ورؤيته لبرهان ربه إدراك ذلك التلوين بنور البصيرة ونظر العقل كما قيل في القصة: تراءى له أبوه، فمنعه أو صوت به، وقيل: ضرب بكفه في نحره فخرجت شهوته من أنامله وذهبت، كل ذلك إشارة إلى منع العقل إياه عن مخالطة النفس بالبرهان ونور البصيرة والهداية وتأثيره فيه بالقدرة والأيد النوري الموجب لذهاب شهوتها وظلمتها النافذ فيها إلى أطرافها المزيل عنها بالهيئة النورية الهيئة الظلمانية، وقد قميصه من دبر إشارة إلى خرقها لباس الصفة النورية التي له من قبل الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة بتأثيرها في القلب بصفتها، فإنها صفة يكسبها القلب بالجهة التي تلي النفس المسماة بالصدر هو الدبر لا محالة.
وقوله: * (ألفيا سيدها لدى الباب) * إشارة إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إليه بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود الوارد القدسي عليه، واستتباعه للنفس وهي تنازعه بالجذب إلى جهتها واستيلائه على القلب ثم على النفس بواسطته. وقولها:
* (ما جزاء من أراد بأهلك سوء) * تلويح إلى أن النفس تسول أغراضها في صور المصالح العقلية وتزينها بحيث تشتبه مفاسدها بالمصالح العقلية التي يجب على العقل مراعاتها والقيام بها وموافقتها فيها ومخالفته إياها فيها إرادة السوء بها ومقابحها بالمحاسن التي تتعلق بالمعاش كمماكرة النساء بالرجال وميل القلب إلى الجهة العلوية يكذب قولها ودعواها، والشاهد الذي شهد من أهلها قيل كان ابن عم لها، أي:
الفكر الذي يعلم أن الفساد الواقع من جهة الأخلاق والأعمال لا يكون إلا من قبل النفس واستيلائها، إذ لو كان من جهة القلب وميله إلى النفس لوقع في الاعتقاد