[تفسير سورة يوسف من آية 7 إلى آية 18] * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) أي: آيات معظمات لمن يسأل عن قصتهم ويعرفها تدلهم أولا على أن الاصطفاء المحض أمر مخصوص بمشيئة الله تعالى لا يتعلق بسعي ساع ولا إرادة مريد، فيعلمون مراتب الاستعدادات في الأزل.
وثانيا: على أن من أراد الله به خيرا لم يكن لأحد دفعه ومن عصمه الله لم يكن لأحد رميه بسوء ولا قصده بشر، فيقوى يقينهم وتوكلهم ويشهدون تجليات أفعاله وصفاته.
وثالثا: على أن كيد الشيطان وإغواءه أمر لا يأمن منه أحد حتى الأنبياء، فيكونون منه على حذر، وأقوى من ذلك كله أنها تطلعهم من طريق الفهم الذي هو الانتقال الذهني على أحوالهم في البداية والنهاية وما بينهما وكيفية سلوكهم إلى الله فتثير شوقهم وإرادتهم وتشحذ بصيرتهم وتقوي عزيمتهم وذلك أن مثل يوسف مثل القلب المستعد الذي هو في غاية الحسن، المحبوب، المرموق إلى أبيه يعقوب العقل، المحسود من إخوته من العلات، أي: الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والغضب والشهوة بنى النفس إلا الذاكرة، فإنها لا تحسده ولا تقصده بسوء، فبقيت إحدى عشرة على عددهم. وأما حسدهم عليه وقصدهم بالسوء فهو أنها تنجذب بطبائعها إلى لذاتها ومشتهياتها وتمنع استعمال العقل القوة الفكرية في تحصيل كمالات القلب من العلوم والأخلاق، وتكره ذلك ولا تريد إلا استعماله إياها في تحصيل اللذات البدنية ومشتهيات تلك القوى الحيوانية. ولا شك أن الفكر نظره إلى القلب أكثر، وميله إلى تحصيل السعادات القلبية من العلوم والفضائل أشد وأوفر، وذلك معنى قولهم: