عند استنارتها بنوره وقربها منه، فإن القوة الفكرية لما كانت قوة جسمانية، والقلب ليس بجسماني، لم تصل إلى مقامه إلا عند كونه مغشى بغشاوات النفس في مقام الصدر أي: الوجه الذي يلي النفس منه. وأما إذا تجرد في مقام الفؤاد أو وصل إلى مقام الروح الذي سموه السر فتتركه عند عزيز الروح وتسلمه إليه وتفارقه على الدريهمات التي تحصل لها بقربه من المعاني المذكورة.
[تفسير سورة يوسف من آية 19 إلى آية 21] وامرأة العزيز المسماة زليخاء التي أوصى إليها به بقوله: * (أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) * هي النفس اللوامة التي استنارت بنور الروح ووصل أثره إليها ولم تتمكن في ذلك ولم تبلغ إلى درجة النفس المطمئنة وتمكين الله إياه في الأرض إقداره بعد التزكية والتنور بنور الروح على مقاومة النفس والقوى وتسليطه على أرض البدن باستعمال آلاته في تحصيل الكمالات وسياستها بالرياضات حتى يخرج ما في استعداده من الكمال إلى الفعل كما قال: * (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) * أي:
ولنعلمه فعلنا ما فعلنا به من الإنجاء والتمكين * (والله غالب على أمره) * بالتأييد والتوفيق والنصر حتى يبلغ غاية كمال أشده من مقامه الذي يقتضيه استعداده فيؤتيه العلم والحكمة كما قال: * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) * والأشد هو نهاية الوصول إلى الفطرة الأولى بالتجرد عن غواشي الخلقة الذي نسميه مقام الفتوة * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * أن الأمر بيد الله في ذلك، فيضيفون إلى السعي والاجتهاد والتربية، ولا يعلمون أن السعي والاجتهاد والتربية والرياضة أيضا من عند الله جعلها الله أسبابا ووسايط لما قدره ولذلك لم يعزلها.
[تفسير سورة يوسف من آية 22 إلى آية 29