تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٤٢
* (فإن لم تفعلوا) * فأذعنوا وأسلموا وآمنوا، واتركوا العناد المفضي بكم إلى النار. فحذف الملزوم الذي هو الإيمان أو الإسلام، وأقام لازمه الذي هو اتقاء النار مقامه ليكون أدل على أن الإنكار موجب لدخول النار وحصول العذاب لهم. وقوله:
* (ولن تفعلوا) * اعتراض على طريق الإخبار بالغيب للعلم بامتناع عقول المحجوبين وعن مثله. والمراد بالنار احتراقهم بثورة نفوسهم، وشرر طباعهم المصروفة عن الروح القدسي الروحاني، والنسيم الذوقي الرحماني، المحرومة عن لذة برد اليقين، وسلامة دار القرار المقطوعة بالمألوفات الحسية، واللذات البدنية الممنوعة، بما خبريت به وألفته مع بقاء حنينها إليه وولهها، ورسوخ هيئات التعلق بالأمور السفلية، ومحبة الأجساد الأرضية فيها التي هي سبب استيقاد نيرانها، ولهذا قال: * (وقودها الناس والحجارة) * أي: الأمور الجاسية، السفلية، الصامتة، التي تعلقوا بها بالمحبة فرسخت صورها في أنفسهم، وسجنت نفوسهم بميلهم إليها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرء يحشر مع من أحب حتى لو أحب أحدكم حجرا حشر معه))، وكيف لا، وقد ركزت صورته في نفسه بالمحبة بحيث صار صورة قلبه صورته.
وأعلم أن حرارة النار تابعة لصورتها النوعية التي هي روحانيتها وملكوتها، وإلا ساوت سائر الأجسام في خواصها، وتلك الروحانية شر من نار، قهر الله المعنوية بعد تنزلها في مراتب كثيرة كتنزلها في مرتبة النفس بثورة الغضب، إذ ربما تؤثر ثورة الغضب في إحراق الأخلاق ما لا تؤثر النار في الحطب. ومن هذا يعلم أن كل مسخن لا يجب أن يكون حارا. وإذا كانت النار الجسمانية أثرا للنار الروحانية، فلا جرم أن إيلامها أشد وأدوم من إيلام هذه النار، كيف وكل قوة جسمانية متناهية دون القوى الروحانية؟ ولهذا المعنى يقال: إن نار جهنم غسلت بالماء سبعين مرة، ثم أنزلت إلى الدنيا ليمكن الانتفاع بها * (أعدت للكافرين) * المحجوبين عن الدين لانقطاعهم دون مرادهم.
[آية 25 - 26] * (وبشر الذين آمنوا) * بالصانع وعملوا ما يصلحهم للجنة بمقتضى علمهم بتوحيد
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»