تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
المؤمنين الموحدين مطلقا. ولما كان النصارى برزوا من حجاب الصفات ولم يتولهم إلا حجاب الذات كانت مناسبتهم مع المؤمنين أقوى، فلذلك كانوا أقرب مودة لهم من غيرهم. والمشركون واليهود أشد عداوة لقوة حجابهم، أما ترى كيف علل قربهم في المودة بعلمهم وعبادتهم وعدم استكبارهم؟، فإن العبادة توصل إلى جنة الأفعال لتجردهم فيها عن أفعال نفوسهم فاعلين ما أمر الله، والعلم يوصل إلى جنة الصفات لتنزههم به عن جنة النفوس والوصول إلى مقام القلب الذي هو محل المكاشفة وقبول العلم الإلهي، وعدم الاستكبار يدل على أنهم ما رأوا نفوسهم موصوفة بصفات العبادة والعلم ولا نسبوا فعلهم وعلمهم إليها بل إلى الله وإلا استكبروا وأظهروا العجب.
* (ترى أعينهم تفيض من الدمع) * شوقا إلى ما عرفوا من توحيد الذات لأنهم كانوا أهل رياضة وذوق فهاجت نفوسهم بسماع الوحي وذكروا الوحدة * (مما عرفوا من الحق) * بصفاته أو سمعوا من الحق كلامه، فبكوا اشتياقا كما قال:
* ويبكي إن نأوا شوقا إليهم * ويبكي إن دنوا خوف الفراق * * (آمنا) * بالتوحيد الذاتي إيمانا عينيا فاجعلنا من * (الشاهدين) * الحاضرين الذين مقامهم الشهود الذاتي واليقين الحقي، وإيمانا علميا يقينيا فاجعلنا مع المعاينين * (وما لنا لا نؤمن) * إيمانا حقيقيا بذاته وما جاءنا من كلامه أو لا نؤمن بالله جمعا * (وما جاءنا من الحق) * تفصيلا * (من القوم الصالحين) * الذين استقاموا بالبقاء بعد * (جنات تجري من تحتها الأنهار) * من التجليات الثلاث مع علومها * (وذلك جزاء المحسنين) * المشاهدين للوحدة في عين الكثرة بالاستقامة في الله.
* (والذين) * حجبوا عن الذات * (وكذبوا) * بآيات الصفات * (أولئك أصحاب) * الحرمان الكلي في جحيم صفات النفوس.
[تفسير سورة المائدة من آية 87 إلى آية 93
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»