أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ١٦١
إذا تلفظ بالكفر أنه لا يجوز له أن يجري على لسانه إلا جريان المعاريض ومتى لم يكن كذلك كان كافرا أيضا وهو الصحيح؛ فإن المعاريض أيضا لا سلطان للإكراه عليها مثاله أن يقال له اكفر بالله فيقول أنا كافر بالله يريد باللاهي ويحذف الياء كما تحذف من الغازي والقاضي والرامي فيقال الغاز والقاض والرام وكذلك إذا قيل له اكفر بالنبي فيقول هو كافر بالنبي وهو يريد بالنبي المكان المرتفع من الأرض فإن قيل له اكفر بالنبيء مهموزا فيقول أنا كافر بالنبيء بالهمز ويريد به المخبر أي مخبر كان أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر (فأصبح رتما دقاق الحصى * مكان النبيء من الكاثب) ولذلك يحكى عن بعض العلماء من زمن فتنة أحمد بن حنبل على خلق القرآن أنه دعي إلى أن يقول بخلق القرآن فقال القرآن والتوراة والإنجيل والزبور - يعددهن بيده - هذه الأربعة مخلوقة يقصد هو بقلبه أصابعه التي عدد بها وفهم الذي أكرهه أنه يريد الكتب الأربعة المنزلة من الله على أنبيائه فخلص في نفسه ولم يضره فهم الذي أكرهه ولما كان هذا أمرا متفقا عليه عند الأئمة مشهورا عند العلماء ألف في ذلك شيخ اللغة ورئيسها أبو بكر بن دريد كتاب الملاحن للمكرهين فجاه ببدع في العالمين ثم ركب عليه المفجع الكابت فجمع في ذلك مجموعا وافرا حسنا استولى فيه على الأمد وقرطس الغرض المسألة الثالثة هذا يدل على أن الكفر ليس بقبيح لعينه وذاته؛ إذ لو كان كذلك لما حسنه الإكراه ولكن الأمر كما قاله علماؤنا من أهل السنة أن الأشياء لا تقبح لذواتها ولا تحسن لذواتها؛ وإنما تقبح وتحسن بالشرع؛ فالقبيح ما نهى الشرع عنه والحسن ما أمر الشرع به
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»