المسألة الثانية فذكر استثناء من تكلم بالكفر بلسانه عن إكراه ولم يعقد على ذلك قلبه فإنه خارج عن هذا الحكم معذور في الدنيا مغفور في الأخرى والمكره هو الذي لم يخل وتصريف إرادته في متعلقاتها المحتملة لها فهو مختار بمعنى أنه بقي له في مجال إرادته ما يتعلق به على البدل وهو مكره بمعنى أنه حذف له من متعلقات الإرادة ما كان تصرفها يجري عليه قبل الإكراه وسبب حذفها قول أو فعل؛ فالقول هو التهديد والفعل هو أخذ المال أو الضرب أو السجن وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في سورة يوسف وقد اختلف الناس في التهديد هل هو إكراه أم لا؟ والصحيح أنه إكراه؛ فإن القادر الظالم إذا قال لرجل إن لم تفعل كذا وإلا قتلتك أو ضربتك أو أخذت مالك أو سجنتك ولم يكن له من يحميه إلا الله فله أن يقدم على الفعل ويسقط عنه الإثم في الجملة إلا في القتل فلا خلاف بين الأمة أنه إذا أكره عليه بالقتل أنه لا يحل له أن يفدي نفسه بقتل غيره؛ ويلزمه أن يصبر على البلاء الذي ينزل به ونسأل الله العافية في الدنيا والآخرة واختلف في الزنا والصحيح أنه يجوز له الإقدام عليه ولا حد عليه خلافا لابن الماجشون فإنه ألزمه الحد؛ لأنه رأى أنها شهوة خلقية لا يتصور عليها إكراه ولكنه غفل عن السبب في باعث الشهوة وأنه باطل وإنما وجب الحد على شهوة بعث عليها سبب اختياري فقاس الشيء على ضده فلم يحل بصواب من عنده وأما الكفر بالله فذلك جائز له بغير خلاف على شرط أن يلفظ بلسانه وقلبه منشرح بالإيمان فإن ساعد قلبه في الكفر لسانه كان آثما كافرا؛ لأن الإكراه لا سلطان له في الباطن وإنما سلطته على الظاهر؛ بل قد قال المحققون من علمائنا إنه
(١٦٠)