أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ١٧٢
المسألة الخامسة قوله ' فيه خلق آدم ' يعني جمع فيه خلقه ونفخ فيه الروح وهذا فضل بين وقوله ' فيه أهبط إلى الأرض ' يخفى وجه الفضل فيه؛ ولكن العلماء أشاروا إلى أن وجه التفضيل فيه أنه تيب عليه من ذنبه وهبط إلى الأرض لوعد ربه حين قال (* (إني جاعل في الأرض خليفة) *) [البقرة 3] فلما سبق الوعد به حققه الله له في ذلك ونفاذ الوعد خير كثير وفضل عظيم ووجه الفضل في مونه أن الله جعل له ذلك اليوم للقائه فإن قيل فقد جعل الله لمحمد يوم الاثنين وقتا للقائه قلنا يكون هذا أيضا فضلا يشترك فيه مع يوم الجمعة ويبقى ليوم الجمعة فضله الذي أعطاه الله له زائدا على سائر أيام الجمعة؛ ومن شارك شيئا في وجه وساواه فيه لا يمتنع أن يفضله في وجوه أخر سواه وأما وجه تفضيله في قيام الساعة فيه فلأن يوم القيامة أفضل الأيام فجعل قدومه في أفضل الأوقات وتكون فاتحته في أكرم أوقات سائر الأيام ومن فضله استشعار كل دابة وتشوقها إليه؛ لما يتوقع فيه من قيام الساعة؛ إذ هو وقت فنائها وحين اقتصاصها وجزائها حاش الجن والإنس اللذين ركبت فيهما الغفلة التي تردد فيها الآدمي بين الخوف والرجاء وهما ركنا التكليف ومعنى القيام بالأمر والنهي وفائدة جريان الأعمال على الوعد والوعيد وتمام الفضل ووجه الشرف تلك الساعة التي ينشر الباري فيها رحمته ويفيض في الخلق نيله ويظهر فيها كرمه؛ فلا يبقى داع إلا يستجيب له ولا كرامة إلا ويؤتيها ولا رحمة إلا يبثها لمن تأهب لها واستشعر بها ولم يكن غافلا عنها ولما كان وقتا مخصوصا بالفضل من بين سائر الأوقات قرنه الله بأفضل الحالات للعبد وهي حالة الصلاة فلا عبادة أفضل منها ولا حالة أخص بالعبد من تلك الحالة؛ لأن الله جمع فيها عبادات الملائكة كلهم؛ إذ منهم قائم لا يبرح عن قيامه
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»