أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٣ - الصفحة ١٦٣
وبلال وخباب وعمار وصهيب وسمية فأما رسول الله فمنعه أبو طالب وأما أبو بكر فمنعه قومه وأما الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد وأوقفوهم في الشمس فبلغ منهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ من حر الحديد والشمس فلما كان من العشاء أتاهم أبو جهل ومعه حربة فجعل يشتمهم ويوبخهم ثم أتى سمية فطعن بالحربة في قبلها حتى خرجت من فمها فهي أول شهيد استشهد في الإسلام وقال الآخرون ما سألوهم إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه فجعلوا يعذبونه ويقولون له ارجع إلى ربك وهو يقول أحد أحد حتى ملوه ثم كتفوه وجعلوا في عنقه حبلا من ليف ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه فقال عمار كلنا قد تكلم بالذي قالوا له لولا أن الله تداركنا غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله فهان على قومه حتى تركوه فنزلت هذه الآية في هؤلاء والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالا فأعتقه المسألة السادسة لما سمح الله تعالى في الكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به حمل العلماء عليه فروع الشريعة فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولا يترتب حكم عليه وعليه جاء الأثر المشهور عند الفقهاء ' رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ' والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء ولكنهم اختلفوا في تفاصيل منها قول ابن الماجشون في حد الزنا وقد تقدم ومنها قول أبي حنيفة إن طلاق المكره يلزم؛ لأنه لم يعدم فيه أكثر من الرضا وليس وجوده بشرط في الطلاق كالهازل وهذا قياس باطل؛ فإن الهازل قاصد إلى إيقاع الطلاق راض به قوله (* (إن ذلكم كان يؤذي النبي) *) وكذلك يؤذي أزواجه ولكن لما كان البيت بيت النبي والحق حق النبي أضافه إليه وقد اختلف العلماء في بيوت النبي إذ كن يسكن فيها هل هن ملك لهن أم لا فقال طائفة كانت ملكا لهن بدليل أنهن سكن فيها بعد موت النبي إلى وفاتهن وذلك أن النبي وهب لهن ذلك في حياته وقالت عائشة لم يكن ذلك لهن هبة وإنما كان إسكانا كما يسكن الرجل أهله وتمادى سكناهن بها إلى الموت لأحد وجهين إما لأن عدتهن لم تنقض إلا بموتهن وإما لأن النبي استثنى لذلك لهن مدة حياتهن كما استثنى نفقاتهن بقوله ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي فهو صدقة فجعلها النبي صدقة بعد نفقة العيال والسكنى من جملة النفقات فإذا متن رجعت مساكنهن إلى أصلها من بيت المال كرجوع نفقاتهن والدليل القاطع لذلك أن ورثتهن لم يرثوا عنهن شيئا من ذلك ولو كانت المساكن ملكا لهن لورث ذلك ورثتهن عنهن فلما ردت منازلهن بعد موتهن في المسجد الذي تعم منفعته جميع المسلمين دل ذلك على أن سكناهن إنا كانت متاعا لهن إلى الممات ثم رجعت إلى أصلها في منافع المسلمين المسألة الرابعة قوله (* (إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) *)) وقد تقدم القول في الإذن وأحكامه في سورة النور المسألة الخامسة قوله (* (إلى طعام) *)) يعني به هاهنا طعام الوليمة والأطعمة عند العرب عشرة المأدبة وهي طعام الدعوة كيفما وقعت طعام الزائر التحفة فإن كان بعده غيره فهو النزل
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»