تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٦٢
كما كانت تصنع به في ملكه وتروح كل عشية بمثل ذلك وكان سليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحا وبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقا وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته حاضرا كان سليمان أو غائبا فأتاه فقال يا نبي الله كبر سني ورق عظمي ونفد عمري وقد حان مني الذهاب فقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثني عليهم بعلمي فيهم وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم فقال افعل فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى فأثنى على كل نبي بما فيه فذكر ما فضله الله حتى انتهى إلى سليمان فقال ما أحكمك في صغرك وأورعك في صغرك وأفضلك في صغرك وأحكم أمرك في صغرك وأبعدك من كل ما تكره في صغرك ثم انصرف فوجد سليمان عليه السلام في نفسه من ذلك حتى ملأه غضبا فلما دخل سليمان داره أرسل إليه فقال يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري فما الذي أحدثت في آخر أمري فقال إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة فقال في داري فقال في دارك فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت ذلك إلا عن شيء بلغك ثم رجع سليمان إلى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها ثم أمر بثياب الظهيرة فأتى بها وهي ثياب لا تغزلها إلا الأبكار ولا تنسجها إلا الأبكار ولا تغسلها إلا الأبكار لم تمسسها امرأة قد رأت الدم ثم لبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل تائبا إلى الله عز وجل حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله تعالى وتضرعا إليه يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ثم رجع إلى داره وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر وكان ملكه في خاتمه فوضعه يوما عندها ثم دخل مذهبه فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سيمان لا تنكر منه شيئا فقال خاتمي أمينة فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والجن والإنس وخرج سليمان فأتى الأمينة وقد غيرت حاله وهيئته عند كل من رآه فقال يا أمينة خاتمي قالت من أنت قال أنا سليمان بن داود قالت كذبت فقد جاء سليمان فأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول أنا سليمان بن داود فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون انظروا إلى هذا المجنون أي شيء يقول يزعم أنه سليمان فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها فمكث بذلك أربعين صباحا عدة ما كان عبد الوثن في داره فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين فقال آصف يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود ما رأيت قالوا نعم قال أمهلوني حتى أدخل على نسائه فاسألهن فهل أنكرتن منه في خاصة أمره ما
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»