تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٦١
ص الآية 33 34 33 (ردوها علي) أي ردوا الجبل علي فردوها (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) قال أبو عبيدة طفق يفعل مثل ما زال يفعل والمراد بالمسح القطع فجعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف هذا قول ابن عباس والحسن وقتادة ومقاتل وأكثر المفسرين وكان ذلك مباحا له لأن نبي الله لم يكن يقدم على محرم ولم يكن يتوب عن ذنب بذنب آخر وقال محمد بن إسحاق لم يعتقه الله على عقر الخيل إذ كان ذلك أسفا على ما فاته من فريضة ربه عز وجل وقال بعضهم إنه ذبحها ذبحا وتصدق بلحومها وكان الذبح على ذلك الوجه مباحا في شريعته وقال قوم معناه أنه حبسها في سبيل الله وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة وقال الزهري وابن كيسان إنه كان يمسح سوقها وأعناقها بيده يكشف الغبار عنها حبا لها وشفقة عليها وهذا قول ضعيف والمشهور هو الأول وحكي عن علي أنه قال في معنى قوله (ردوها علي) يقول سليمان بأمر الله عز وجل للملائكة الموكلين بالشمس (ردوها علي) يعني الشمس فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها وذلك أنه كاني عرض عليه الخيل لجهاد عدو حتى توارت بالحجاب 34 قوله عز وجل (ولقد فتنا سليمان) اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه وكان سبب ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال سمع سليمان عليه السلام بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيلا لمكانه وكان الله قد آتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر إنما يركب إليه الريح فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس فقتل ملكها وسبى ما فيها وأصاب فيما أصاب بنتا لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسنا وجمالا فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه وأحبها حبا لم يحبه شيء من نسائه وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فشق ذلك على سليمان فقال لها ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ قالت إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك قال سليمان فقد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه وسلطانا هو أعظم من سلطانه وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله قالت إن ذلك كذلك ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا لي صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزني وأن يسليني عن بعض ما أجد في نفسي فأمر سليمان الشياطين فقال مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئا فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس ثم كان إذا خرج سليمان من دارها تعدو عليه في ولائدها حتى تسجد له ويسجدن له
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»