تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٥٤
ص الآية 23 (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط) أي لا تجر يقال شط الرجل شططا وأشط إشطاطا إذا جار في حكمه ومعناه مجاوزة الحد وأصل الكلمة من شطت الدار وأشطت إذا بعدت (واهدنا إلى سواء الصراط) ارشدنا إلى طريق الصواب والعدل فقال داود لهما تكلما 23 فقال أحدهما (إن هذا أخي) أي على ديني وطريقتي (له تسع وتسعون نعجة) يعني امرأة (ولي نعجة واحدة) أي امرأة واحدة والعرب تكنى بالنعجة عن المرأة قال الحين بن الفضل هذا تعريض للتنبيه والتفهيم لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي فهو كقولهم ضرب زيد عمرا أو اشترى بكر دارا ولا ضرب هنالك ولا شراء (فقال اكفلنيها) قال ابن عباس اعطنيها قال مجاهد انزل لي عنها وحقيقته ضمها إلي فاجعلني كافلها وهو الذي يعولها وينفق عليها والمعنى طلقها لأتزوجها (وعزني) وغلبني (في الخطاب) أي في القول وقيل قهرني لقوة ملكه قال الضحاك يقول إن تكلم كان أفصح مني وإن حارب كان أبطش مني وحقيقة المعنى أن الغلبة كانت له لضعفي في يده وإن كان الحق معي وهذا كله تمثيل لأمر داود مع أوريا زوج المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة فضمها إلى نسائه 24 (قال) أي قال داود (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) أي بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه فإن قيل كيف قال لقد ظلمك ولم يكن سمع قول صاحبه قيل معناه إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك وقيل قال ذلك بعد اعتراف صاحبه بما يقول (وإن كثيرا من الخلطاء) الشركاء (ليبغي بعضهم على بعض) يظلم بعضهم بعضا (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإنهم لا يظلمون أحدا (وقليل ما هم) أي قليل (هم وما) صلة يعني الصالحين الذين لا يظلمون قليل قالوا فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك وصعد إلى السماء فعلم داود أن الله تعالى ابتلاه وذلك قوله (وظن داود) أيقن وعلم (أنما فتناه) إنما ابتليناه وقال السدي بإسناده أن أحدهما لما قال (إن هذا أخي) الآية قال داود للآخر ما تقول فقال إن لي تسعا وتسعين نعجة ولأخي نعجة واحدة وأنا أريد أن آخذها منه فأكمل نعاجي مائة وهو كاره قال إذا لا ندعك وإن رمت ذلك ضربت منك هذا وهذا يعني طرف الأنف وأصله والجبهة فقال يا داود أنت أحق بذلك حيث لم يكن لأوريا إلا امرأة واحدة ولك تسع وتسعون امرأة فلم تزل تعرضه للقتل حتى قتل وتزوجت امرأته فنظر داود فلم ير أحدا فعرف ما وقع فيه وقال القائلون بتنزيه الأنبياء في هذه القصة أن ذنب داود إنما كان أنه تمنى أن تكون امرأة أوريا حلالا له فاتفق غزو أوريا وتقدمه في الحرب وهلاكه فلما بلغ قتله
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»