سورة الشرح (7 8) الأول وإذا ذكرت نكرة ثم أعادته مثله صار اثنين وإذا عادته معرفة فالثاني هو الأول كقولك إذا كسبت درهما أنفقت الدرهم فالثاني غير الأول وإذا قلت إذا كسبت درهما فانفق درهما فالثاني هو الأول فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف فكان عسرا واحدا واليسر مكرر بلفظ النكرة فكانا يسرين كأنه قال فإن مع العسر يسران مع ذلك العسر يسرا آخر وقال أبو علي الحسين بن يحيى بن نضر الجرجاني صاحب النظم تكلم الناس في قوله لن يغلب عسر يسرين فلم يحصل منه غير قولهم إن العسر معرفة واليسر نكرة فوجب أن يكون عسر واحد ويسران وهذا قول مدخول إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس يفا فهذا لا يوج أن يكون الفارس واحد والسيف اثنان فمجاز قوله لن يغلب عسر يسرين أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مقل مخف فكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا إن كان بك طلب الغن جمعنا لك مالا حتى تكون كأيس أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره فعدد الله نعمه عليه في هذه السورة ووعده الغنى يسليه بذلك عما خامره من الغم فقال (فإن مع العسر يسرا) مجازه لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ثم أنجزه ما وعده وفتح عليه القرى العربية وسع عليه ذات يده حتى كان يعطي المثين من الإبل ويهب الهبات السنية ثم ابتدأ فضلا آخر من أمر الآخرة فقال إن مع العسر يسرا والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ومجازه إن مع العسر يسرا أي أن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الثانية فقوله عليه السلام لن يغلب عسر يسرين أي لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة وإنما يغلب أحدهما هو يسر الدنيا وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل أي لا يجمعهما في الغلبة كقوله صلى الله عليه وسلم شهر عيد لا ينقصان أي لا يجتمعان في النقصان (فإذا فرغت فانصب) أي فاتعب والنصب التعب قال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي قإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة يعطك وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة وقال ابن مسعد إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك وقال الحسن وزيد بن أسلم إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك وقال منصور عن مجاهد إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل وقال حيان عن الكلبي إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب أب استغفر لذنبك وللمؤمنين (وإلى ربك فارغب) قال عطاء تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة وقيل فارغب إليه في جميع أحوالك قال الزجاج أي اجعل رغبتك إلى الله وحده
(٥٠٣)