تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٢١١
الحجرات الآية 5 لغتان وهي جمع الحجر والحجر جمع الحجرة فهي جمع الجمع قال ابن عباس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني العنبر وأم عليهم عيينة بن حصن الفزاري فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسباهم عيينة بن حصن وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما في أهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا إلى آبائهم يبكون وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة فعجلوا قبل أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا ويصيحون حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبريل عليه السلام فقال إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة بن عمرو وهو على دينكم فقالوا نعم فقال سبرة إني لا أحكم بينهم إلا وعمي شاهد وهو الأعور بن بشامة فرضوا به فقال الأعور أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رضيت ففادى نصفهم وأعتق نصفهم فأنزل الله تعالى (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) وصفهم بالجهل وقلة العقل 5 (ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم) قال مقاتل لكان خيرا لهم لأنك كنت تعتقهم جميعا وتطلقهم بلا فداء (والله غفور رحيم) وقال قتادة نزلت في ناس من أعراب بني تميم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا على الباب ويروى ذلك عن جابر قال جاءت بنو تميم فنادوا على الباب اخرج إلينا يا محمد فإن مدحنا زين وذمنا شين فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين فقالوا نحن ناس من بني تميم جئنا بشعرائنا وخطبائنا لنشاعرك ونفاخرك فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا من عندكم \ فقام شاب منهم فذكر فضله وفضل قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم \ قم فأجبه \ فأجابه وقام شاعرهم فذكر أبياتا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت أجبه فأجابه فقام الأقرع بن حابس فقال إن محمدا لمؤتى له والله ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن من خطيبنا قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وكان قد تخلف في ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فأعداه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم وأزرى به بعضهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل فيهم (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم) الآيات الأربع إلى قوله (غفور رحيم) وقال زيد بن أرقم جاء ناس من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن يكن نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكا نعش في جنابه فجاؤوا فجعلوا ينادونه يا محمد يا محمد فأنزل الله (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج لكان خيرا لهم والله غفور رحيم)
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»