تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٥١٥
الرجل في بالدكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان أنا والله لا نسائل معكم حتى تأتونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن إبراهيم التميمي عن أبيه قالا قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي قال كيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجهد فقال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا وفعلنا فقال حذيفة يا ابن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم ادخله الله الجنة فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هونا من الليل ثم التفت إلينا فقال هل من مثله فكست القوم وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هونا من الليل ثم التفت إلينا فقال هل من رجل يقوم فينظر ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا حذيفة فلم يكن لي بدا من المقام إليه حين دعاني فقلت إليك يا رسول الله وقمت حتى اتيته وان جنبي ليضطربان فمسح رأسي ووجهي ثم قال إئت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي ثم قال اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فأخذت سهمي وشددت علي سلاحي ثم انطلقت امشي نحوهم كأنما امشي في حمام فذهبت فدخلت في القوم وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا لله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء وأبو سفيان قاعد بصطلي فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي فأردت أن ارميه ولو رميته لأصبته فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فرددت سهمي في كنانتي فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت فقال سبحان الله أما تعرفني أنا فلان ابن فلان فإذا هو رجل من هوازن فقال أبو سفيان يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلكنا وهلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا منهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ثم قال إلى جمله وهو معقول فجلس علهي ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما اطلق عقاله إلا وهو قائم وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي فلما سلم أخبرته الخبر فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل قال فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفاء فأدناني النبي صلى الله عليه وسلم منه وأنامني عند رجليه والقى علي طرف ثوبه والزق صدري ببطن قدميه لم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان سورة الأحزاب (10) قوله عز وجل (إذ جاؤكم من فوقكم) أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في
(٥١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 520 ... » »»