وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهو الحنفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره كما قال تعالى (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) وقالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المأمور به المكتسب بالإرادة والفعل ألا ترى أنه يقول فأبواه يهودانه فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ويحكى هذا عن الأوزاعي وحماد بن سلمة وحكي عن عبد الله بن المبارك أنه قال معنى الحديث إن كل مولود يولد على فطرته أي على خلقته التي جبل عليها في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها في الدنيا بالعمل المشاكل لها فمن أمارات الشقاوة للطفل أن يولد في مبدأ الخلقة على الفطرة أي على الجبلة السليمة والطبع المتهيء لقبول الدين فلو ترك فلو ترك عليها لاستمر على لزومها لأن هذا الدين موجود حسنه في العقول وإنها يعدل عنه من يعدل إلى غيره لآفة من آفات النشوء والتقليد فلو سلم من تلك الآفات لم يعتقد غيره ثم يتمثل بأولاد اليهود والنصارى وأتباعهم لإبائهم والميل إلى أديانهم فيزلون بذلك على الفطرة السليمة والحجة المستقيمة ذكر أبو سليمان الخطابي هذه المعاني في كتابه قوله (لا تبديل لخلق الله) فمن حمل الفطرة على الدين قال معناه لا تبديل لدين الله وهو خبر بمعنى النهي أي لا تبدلوا دين الله قال مجاهد وإبراهيم معنى الآية الزموا فطرة الله أي دين الله واتبعوه ولا تبدلوا التوحيد بالشرك (ذلك الدين القيم) المستقيم (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) وقيل لا تبديل لخلق الله أي ما جبل عليه الإنسان من السعادة والشقاء لا يبدل فلا يصير السعيد شقيا ولا الشقي سعيدا وقال عكرمة ومجاهد معناه تحريم إخصاء البهائم 31 (منيبين) أي فأقم وجهك أنت وأمتك منيبين إليه لأن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل معه فيها الأمة كما قال (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) (منيبين إليه) أي راجعين إليه بالتوبة مقبلين إليه بالطاعة (واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) 32 (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا) أي صاروا فرقا مختلفة وهم اليهود والنصارى وقيل هم أهل البدع من هذه الأمة (كل حزب بما لديهم فرحون) أي رضوان بما عندهم 33 قوله تعالى (وإذا مس الناس ضر) قحط وشدة (دعوا ربهم منيبين إليه) مقبلين إليه بالدعاء
(٤٨٣)