تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٧
وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه قال ابن عباس رضي الله عنهما فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار وعن كل ألف درهم على درهم وعن كل ألف شاة على شاة وعن كل ألف شيء على شيء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل فقال لهم يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا أنت كبيرنا فمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلا حتى تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج بنو إسرائيل عليه ورفضوه فدعاها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل طستا من ذهب وقيل قال لها إني أمولك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت فقال له قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون إنك فجرت بفلانة فقال ادعوها فإن قالت فهو كما قالت فلما جاءت قال لها موسى يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء وعظم عليها القسم وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله تعالى بالتوفيق وقالت في نفسها أحدث اليوم توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا كذبوا ولكن جعل لي قارون جعلا على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجدا يبكي ويقول اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله تعالى إني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا ولم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذت الأرض أقدامهم وفي رواية كان على سريره وفرشه فأخذته حتى غيبت سريره ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه في كل ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم حتى روي أنه ناشده سبعين مرة وموسى عليه السلام في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فانطبقت عليهم الأرض فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك استغاث بك سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعا لأحد قال قتادة خسف به فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة قال وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أن موسى إنما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله (فخسفنا به وبداره الأرض) (فما كان له من فئة) من جماعة (ينصرونه من دون الله) يمنعونه من الله (وما كانوا من المنتصرين) الممتنعين مما نزل به من الخسف 82 (وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس) صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من المال والزينة يتندمون على
(٤٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»