تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ١٤٨
السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا وصدقوه وكان شرط صاحب الحمام أن الليل لي لا يحول بيني وبينه ولا بين الصلاة أحد وكان على ذلك حتى أتى ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحواري وقال أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيا وذهب فرجع مرة أخرى فقال له مثل ذلك فسبه وانتهره ولم يلتفت إلى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام وأتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام ابنك فالتمس فلم يدر عليه وهرب فقال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل إيمانهم فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا وقالوا نبيت هنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله تعالى فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فلما أراد رجل منهم دخوله أرعب فلم يطق أحد أن يدخله فقالقائل منهم أليس لو قدر عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا ففعل قال وهب فعير بعدما سدوا عليهم باب الكهف زمان بعد زمان ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت باب هذا الكهف وأدخلت غنمي فيه من المطر فاكنهم من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح ورد الله عليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا وقال محمد بن إسحاق ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدروس فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وستين سنة فتحزب الناس في ملكه فكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ومنهم من يكذب بها فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرع إلى الله وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ويقولان لا حياة إلا حياة الدنيا وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد فجعل بيدروس يرسل أن من يظن فيهم خيرا وأنهم أئمة في الخلق فجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا أن يحولوا الناس عن الحق وملة الحواريين فلما رأى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلقه عليه ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجعل عليه فدأب ليله ونهاره زمانا يتضرع إلى الله تعالى ويبكي كله ويقول أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث إليهم آية تبين لهم بطلان ما هم عليه ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد أن يظهر الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليهم ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ويستجيب لعبده الصالح بيدروس ويتم نعمته عليه وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين فألقى الله في نفس رجل من ذلك البلد الذي فيه الكهف وكان اسم ذلك الرجل أوليانوس أن يهدم ذلك البينان الذي على فم الكهف فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان تلك الحظيرة حتى نزعا ما عللى فم الكهف وفتحا باب الكهف وحجبهم الله عن الناس بالرغب فلما فتحا باب الكهف أذن الله ذو القدرة والسلطان محي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كالذي كانوا يفعلون لا يرى في جوههم ولا ألوانهم شيء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن دقيانوس في دلبهم فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقاتهم أنبئنا ما الذي قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»