حاجة لي به فقالوا له من أنت يا فتى وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين وأنت تريد أن تخفيه منا فانطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه نخف عليك ما وجدت فإنك إن لم تفعل نأت بك إلى السلطان فنسلمك إليه فيقتلك فلما سمع قولهم قال في نفسه قد وقعت في كل شيء كنت أحذر منه فقالوا يا فتى إنك والله لا تستطيع أن تكتم ما وجدت فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم وما يرجع إليهم وفرق حتى ما يخبر إليهم شيئا فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة حتى سمع به من فيها وقيل قد أخذ رجل معه كنزا فاجتمع إليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون إليه ويقولون والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما رأيناه فينا قط وما نعرفه قط فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم فلما اجتمع عليه أهل المدينة فرق فسكت فلم يتكلم وكان مستيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة وأن حسبه ونسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها وأنهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله فيخلصه من أيديهم إذا اختطفوه وانطلقوا به إلى رئيسي المدينة ومدبريها اللذين يدبران أمرها وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أريوس واسم الآخر طنطيوس فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا أنه ينطلق به إلى دقيانوس الجبار فجعل يلتفت يمينا وشمالا وجعل الناس يسخرون منه كما يسخرون من المجنون وجعل تمليخا يبكي ثم رفع رأسه إلى السماء فقال في نفسه اللهم إله السماء وإله الأرض أفرغ اليوم علي صبرا وأولج معي روحا منك تؤيدني به عند هذا الجبار وجعل يبكي ويقول في نفسه فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت يا ليتهم يأتوني فنقوم جميعا بين يدي هذا الجبار فإنا كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا يحدث به نفسه تمليخا فما يخبر أصحابه حين يرجع إليهم حتى انتهوا إلى الرجلين الصالحين أريوس وطنطيوس فلما رأى تمليخا أنه لا يذهب به إلى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء فأخذ أريوس وطنطيوس الورق فنظر إليها وعجا منها ثم قال له أحدهما أين الكنز الذي وجدت يا فتى فقال تمليخا ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها ولكن والله ما أدري ما شأني وما أقول لكم فقال أحدهما فمن أنت فقال تمليخا أما أنا فكنت أرى أني من أهل هذه المدينة فقالوا ومن أبوك ومن يعرفك فيها فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه فقال له أحدهما أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحق فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير أنه نكس بصره إلى الأرض فقال بعض من حوله هذا رجل مجنون وقال بعضهم ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينقلب منكم فقال له أحدهما ونظر إليه نظرا شديدا أتظن أنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك ونقش هذا الورق وضربها أكثر من ثلاثمائة سنة وإنما أنت غلام شاب أتظن أنك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شيوخ شمط كما ترى وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار وإني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ثم أوثقك حتى تعرف بهذا الكنز الذي وجدته فلما قال ذلك قال لهم تمليخا أنبئوني عن شيء أسألكم عنه فإن فعلتم صدقتكم عما عندي قالوا سل لا نكتمك شيئا قال
(١٥٠)