سورة يوسف الآية 101 ولم يقل من الجب مع كونه أشد بلاء من السجن استعمالا للكرم لكيلا يخجل إخوته بعدما قال لهم (لا تثريب عليكم اليوم) ولأنه نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم لأنه بعد الخروج من الجب صار إلى العبودية والرق وبعد الخروج من السجن صار إلى الملك ولأن وقوعه في البئر كان لحسد إخوته وفي السجن كان مكافأة من الله تعالى لزلة كانت منه (وجاء بكم من البدو) والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم وكانوا أهل بادية ومواشي يقال بدا يبدو إذا صار إلى البادية (من بعد أن نزغ) أفسد (الشيطان بيني وبين إخوتي) بالحسد والبغض (إن ربي لطيف) أي ذو لطف (لما يشاء) وقيل معناه لمن يشاء وحقيقة اللطيف الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق (إنه هو العليم الحكيم) قال أهل التاريخ أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة في أغبط حال وأهنأ عيش ثم مات بمصر فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق ففعل يوسف ذلك ومضى به حتى دفنه بالشام ثم انصرف إلى مصر وقال سعيد بن جبير نقل يعقوب عليه السلام في تابوت من ساجد إلى بيت المقدس فوافق ذلك موت العيص فدفنا في قبر واحد وكانا ولدا في بطن واحد وكان عمرهما مائة وسبعا وأربعين سنة فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله على أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حسن العاقبة فقال 101 (رب قد آتيتني من الملك) يعني ملك مصر والملك اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير (وعلمتني من تأويل الأحاديث) يعني تبير الرؤيا (فاطر) أي يا فاطر (السماوات والأرض) أي خالقهما (أنت وليي) أي معيني ومتولي أمري (في الدنيا والآخرة توفني مسلما) يقول اقبضني إليك مسلما (وألحقني بالصالحين) يريد آبائي النبيين قال قتادة لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف وفي القصة لما جمع الله شمله وأوصل إليه أبويه وأهله اشتاق إلى ربه عز وجل فقال هذه المقالة قال الحسن عاش بعد هذا سنين كثيرة وقال غيره لما قال هذا القول لم يمض عليه أسبوع حتى توفي واختلفوا في مدة غيبة يوسف عن أبيه فقال الكلبي اثنتان وعشرون سنة وقيل أربعون وقال الحسن ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد لقاء يعقوب ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وفي التوراة مات وهو ابن مائة وعشر سنين وولد ليوسف من امرأة العزير ثلاثة أفراد أفراثيم وميشا ورحمة امرأة أيوب المبتلى عليه السلام وقيل عاش يوسف بعد أبيه ستين سنة وقيل أكثر واختلفت الأقاويل فيه وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة فدفنوه في النيل في صندوق من رخام وذلك أنه لما مات تشاح الناس فيه فطلب أهل كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته حتى هموا بالقتال
(٤٥١)