تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٤٥٦
سورة النساء 82 83 82 قوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) يعني أفلا يتفكرون في القرآن والتدبر هو النظر في آخر الأمر ودبر كل شيء آخره (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) أي تفاوتا وتناقضا كثيرا قاله ابن عباس وقيل لو وجدوا فيه أي في الإخبار عن الغيب بما كان وبما يكون اختلافا كثيرا أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا بعدم التناقض فيه وصدق ما يخبر أنه كلام الله تعالى لأن مالا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف 83 قوله تعالى (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيفشون ويحدثون به قيل أن يحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله تعالى (وإذا جاءهم) يعني المنافقين (أمر من الأمن) أي الفتح والغنيمة أو الخوف والقتل والهزيمة (أذاعوا به) أشاعوه وأفشوه (ولو ردوه إلى الرسول) إلى رأيه ولم يحدثوا به حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يحدث به (وإلى أولي الأمر منهم) أي ذوي الرأي من الصحابة مثل أبي بكر وعمرو وعثمان وعلي رضي الله عنهم (لعلمه الذي يستنبطونه منهم) أي يستخرجونه وهم العلماء أي علموا ما ينبغي أن يكتم وما ينبغي أن يفشى والاستنباط الاستخراج يقال استنبط الماء إذا استخرجه وقال عكرمة يستنبطونه أي يحرصون عليه ويسألون عنه وقال الضحاك يتبعونه يريد الذين سمعوا تلك الأخبار من المؤمنين والمنافقين لو ردوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى ذوي الرأي والعلم لعلمه الذين يستنبطونه منهم أي يحبون أن يعلموه على حقيقته كما هو (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان) كلكم (إلا قليلا) فإن قيل كيف استثنى القليل ولولا فضله لاتبع الكل الشيطان قيل هو راجع إلى ما قبله قيل معناه أذاعوا به إلا قليلا لم يفشه وعني بالقليل المؤمنين وهذا قول الكلبي واختيار الفراء وقال لأن علم السر إذا ظهر علمه المستنبط وغيره والإذاعة قد تكون في بعض دون بعض وقيل لعلمه الذي يستنبطونه منهم إلا قليلا ثم قوله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان) كلام تام وقيل فضل الله الإسلام ورحمته القرآن يقول لولا ذلك لابتعتم الشيطان إلا قليلا وهم قوم اهتدوا قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن مثل زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وجماعة سواهما وفي الآية دليل على جواز القياس فإن من العلم ما يدرك بالتلاوة والرواية وهو النص ومنه ما يدرك بالاستنباط وهو القياس على المعاني المودعة في النصوص
(٤٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 ... » »»