كانت الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل قتل بينهم فتطاولت تلك العداوة والحرب بينهم عشرين ومائة سنة إلى أن أطفأ الله عز وجل ذلك بالإسلام وألف بينهم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكان سبب ألفتهم أن سويد بن الصامت أخا بني عمرو بن عوف وكان شريفا يسميه قومه الكامل لجلده ونسبه وقدم مكة حاجا أو معتمرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث وأمر بالدعوة فتصدى له حين سمع به ودعاه إلى الله عز وجل وإلى الإسلام فقال له سويد فلعل ذلك معك مثل الذي معي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الذي معك فقال مجلد لقمان يعني حكمته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها علي فعرضها فقال إن هذا كلام حسن ومعي أفضل من هذا قرآن أنزله الله علي نورا وهدى فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعد منه ولم ينفر وسر بذلك وقال إن هذا القول حسن ثم انصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج قبل يوم بعاث فإن قومه ليقولون إنه قد قتل وهو مسلم ثم قدم أبو الجيسر أنس بن رافع ومعه فئة من بني الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم فجلس إليهم وقال هل لكم إلى خير مما جئتم له قالوا وما ذلك قال أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن لا يشركوا بالله شيئا وأنزل الله علي الكتاب ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا أي قوم هذا والله خير مما جئتم له فأخذ أبو الجيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ويعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فلقي عند العقبة رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وهم ستة نفر أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ورافع بن مالك العجلاني وقطبة بن عامر بن خريدة وعقبة بن عامر بن باني وجابر بن عبد الله فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنتم قالوا نفر من الخزرج قال أمن موالي يهود قالوا نعم قال أفلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن قال وا وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام أن يهود كان معهم ببلادهم وكانوا أهل أوثان وشرك وكانوا إذا كان منهم شيء قالوا إن نبيا الآن مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله عز وجل قال بعضهم لبعض يا قوم تعلمون واللع إنه النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وصدقوه وأسلموا وقالوا إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم بك وسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك فإن جمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم قد آمنوا به صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيهم ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسى من الأنصار اثنا عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة
(٣٣٤)