تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٩٨
سورة آل عمران 39 39 (فنادته الملائكة) قرأ حمزة والكسائي فناداه بالياء والآخرون بالتاء لتأنيث لفظ الملائكة وللجمع مع أن الذكور إذا تقدم فعلهم وهم جماعة كان التأنيث فيهم أحسن كقوله تعالى (قالت الأعراب) وعن إبراهيم قال كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما يذكر الملائكة في القرآن قال أبو عبيدة إنما نرى عبد الله اختار ذلك خلافا للمشركين في قولهم الملائكة بنات الله تعالى وروى الشعبي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال إذا اختلفتم في التاء والياء فاجعلوها ياء وذكروا القرآن وأراد بالملائكة ههنا جبريل عليه السلام وحده كقوله تعالى في سورة النحل (ينزل الملائكة) يعني جبريل بالروح والوحي ويجوز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع كقولهم سمعت هذا الخبر من الناس وإنما سمع من واحد نظيره قوله تعالى (الذين قال لهم الناس) يعني نعيم بن مسعود (إن الناس) يعني أبا سفيان بن حرب وقال المفضل بن سلمة إذا كان القائل رئيسا يجوز الإخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه وكان جبريل عليه السلام رئيس الملائكة وقل ما يبعث إلا ومعه جمع فجرى على ذلك قوله تعالى (وهو قائم يصلي في المحراب) أي في المسجد وذلك أن زكريا كان الحبر الكبير الذي يقرب القربان فيفتح باب المذبح فلا يدخلون حتى يأذن لهم في الدخول فبينما هو قائم يصلي في المحراب يعني في المسجد عند المذبح يصلي والناس ينتظرون أن يأذن لهم في الدخول فإذا هو برجل شاب عليه ثياب بيض تلمع ففزع منه فناداه وهو جبريل عليه السلام يا زكريا (أن الله يبشرك) قرأ ابن عامر وحمزة (إن الله) بكسر الألف على إضمار القول تقديره فنادته الملائكة فقالت إن الله وقرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه كأنه قال فنادته الملائكة بأن الله يبشرك قرأ حمزة (يبشرك) وبابه بالتخفيف كل القرآن إلا قوله (فبم تبشرون) فإنهم اتفقوا على تشديدها ووافقه الكسائي ههنا في الموضعين وفي (سبحان) و (الكهف) و (حمعسق) ووافق ابن كثير وأبو عمرو في (حمعسق) والباقون بالتشديد فمن قرأ بالتشديد فهو من بشر يبشر تبشيرا وهو أعرب اللغات وأفصحها دليل التشديد قوله تعالى (فبشر عبادي) و (بشرناه بإسحاق) قالوا (بشرناك بالحق) وغيرها من الآيات ومن خفف فهو من بشر يبشر وهي لغة تهامة وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه (بيحيى) هو الاسم لا يجر لمعرفته وللزائد في أوله ومثل يزيد ويعمر وجمعه يحيون مثل موسون وعيسون واختلفوا فيأنه لم سمي يحيى فقال ابن عباس رضي الله عنهما لأن الله أحيا به عقر أمه قال قتادة لأن الله تعالى أحيا به قلبه بالإيمان وقيل سمي يحيى لأنه استشهد والشهداء أحياء وقيل معناه يموت وقيل لأن الله تعالى أحياه بالطاعة حتى لم يعص ولم يهم بمعصية (مصدقا) نصب على الحال (بكلمة من الله) يعني عيسى عليه السلام سمي عيسى كلمة الله
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»