تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٢٩٧
سورة آل عمران 38 بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم (كلما دخل عليها زكريا المحراب) وأراد بالمحراب الغرفة والمحراب أشرف المجالس ومقدمها وكذلك هو من المسجد ويقال للمسجد أيضا محراب وقال المبرد لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرجة وقال الربيع بن أنس كان زكريا إذا خرج يغلق عليها سبعة أبواب فإذا دخل عليها فتحها (وجد عندها رزقا) أي فاكهة في غير حينها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف (قال يا مريم أنى لك هذا) قال أبو عبيدة معناه من أين لك هذا وأنكر بعضهم عليه وقال معناه من أي جهة لك هذا لأن (أنى) للسؤال عن الجهة (وأين) للسؤال عن المكان (قالت هو من عند الله) أي من قطف الجنة وقال أبو الحسن إن مريم من حين ولدت لم تلقم ثديها قط بل كان يأتيها رزقها من الجنة فيقول لها زكريا أنى لك هذا فتقول (هو من عند الله) تكلمت وهي صغيرة (إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) قال محمد بن إسحاق ثم أصابت بني إسرائيل أزمة وهي على ذلك من حالها حتى ضعف زكريا عن حملها فخرج على بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل تعلمون والله لقد كبرت سني وضعفت عن حمل مريم بنت عمران فأيكم يكلفها بعدي فقالوا والله لقد جهدنا وأصابنا من السنة ما ترى فتدافعوها بينهم ثم لم يجدوا من حملها بدا فتقارعوا عليها بالأقلام فخرج السهم على رجل نجار من بني إسرائيل يقال له يوسف بن يعقوب وكان ابن عم مريم فحملها فعرفت مريم في وجهه شدة مؤنة ذلك عليه فقالت له يا يوسف أحسن بالله الظن فإن الله سيرزقنا فجعل يوسف يرزق بمكانها منه فيأتيها كل يوم من كسبه بما يصلحها فإذا أدخله عليها في الكنيسة أنماه الله فيدخل عليها زكريا فيرى عندها فضلا من الرزق ليس بقدر ما يأتيها به يوسف فيقول (يا مريم أنى لك هذا) (قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) قال أهل الأخبار فلما رأى ذلك زكريا قال إن الذي قدر على أن يأتي مريم بالفاكهة في غير حينها من غير سبب لقادر على أن يصلح زوجتي ويهب لي ولدا في غير حينه من الكبر فطمع في الولد وذلك أن أهل بيته كانوا قد انقرضوا وكان زكريا قد شاخ وأيس من الولد 38 قال الله تعالى (هنالك) أي عند ذلك (دعا زكريا ربه) فدخل المحراب وغلق الأبواب وناجى ربه (قال رب) أي يا رب (هب لي) أعطني (من لدنك) أي من عندك (ذرية طيبة) أي ولدا مباركا تقيا صالحا رضيا والذرية تكون واحدا أو جمعا ذكرا أو أنثى وهو ههنا واحد بدليل قوله عز وجل (فهب لي من لدنك وليا) وإنما قال طيبة لتأنيث لفظ الذرية (إنك سميع الدعاء) أي سامعه وقيل مجيبه كقوله تعالى (إني آمنت بربكم فاسمعون) أي فأجيبوني
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»