تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ١٨١
دينك وكان ذلك مكرا منهم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خبيب بن عدي الأنصاري ومرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن بكير وعبد الله بن طارق بن شهاب البلوي وزيد بن الدثنة وأمر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري قال أبو هريرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فساروا فنزلوا ببطن الرجيع بين مكة والمدينة ومعهم تمر عجوة فأكلوا فمرت عجوز فأبصرت النوى فرجعت إلى قومها بمكة وقالت قد سلك هذا الطريق أهل يثرب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فركب سبعون رجلا منهم معهم الرماح حتى أحاطوا بهم وقال أبو هريرة رضي الله عنه ذكروا الحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فتبعوهم بقريب من مائة رجل رام فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد فأحاط بهم القوم فقتلوا مرثدا وخالدا وعبد الله بن طارق ونثر عاصم بن ثابت كنانته وفيها سبعم أسهم فقتل بكل سهم رجلا من عظماء المشركين ثم قال اللهم إني قد حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخر النهار ثم أحاط المشركون فقتلوه فلما قتلوه أراجوا جز رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فأرسل الله رحلا من الدبر وهي الزنابير فحمت عاصما فلم يقدروا عليه فسمي حمي الدبر فقالوا دعوه حتى نسمي فتذهب عنه فنأخذه فجاءت سحابة سوداء وأمطرت مطرا كالعزالي فبعث الله الوادي غديرا فاحتما عاصما به فذهب به إلى الجنة وحمل خمسين من المشركين إلى النار وكان عاصم قد أعطى الله تعالى عهدا أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته عجيبا لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا فمنعه الله بعد وفاته كما امتنع عاصم في حياته وأسر المشركون خبيب بن عدي الأنصاري وزيد بن الدثنة فذهبوا بهما إلى مكة فأما خبيب فابتاعه بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ليقتلوه بأبيهم وكان خبيب هو الذي قتل الحرث يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله فاستعار من بعث بنات الحارث موسى ليستحدبها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة فما راع المرأة إلا خبيب قد أجلس الصبي على فخذه والموسى بيده فصاحت فقال خبيب أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن الغدر ليس من شأننا فقالت المرأة بعد والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة إن كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا ثم إنهم خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل وأرادوا أن يصلبوه فقال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين فتركوه فكان خبيب هو أول من سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة فركع ركعتين ثم قال لولا أن يحسبوا أن ما بي جزع لزدت اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول (فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي) (وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع)
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»