موضعه، وعلى ذلك قوله تعالى: (ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فإنه دل بقوله: (والقرآن ذي الذكر) أن القرآن مقر للتذكر وأن ليس امتناع الكفار من الاصغاء إليه أن ليس موضعا للذكر بل لتعززهم ومشاقتهم. وعلى هذا (ق والقرآن المجيد بل عجبوا) أي ليس امتناعهم من الايمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن ولكن لجهلهم ونبه بقوله (بل عجبوا) على جهلهم لان التعجب من الشئ يقتضى الجهل بسببه وعلى هذا قوله عز وجل: (ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين) كأنه قيل ليس ههنا ما يقتضى أن يغرهم به تعالى ولكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه. والضرب الثاني من بل هو أن يكون مبينا للحكم الأول وزائدا عليه بما بعد بل نحو قوله تعالى: (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر) فإنه نبه أنهم يقولون أضغاث أحلام بل افتراه يزيدون على ذلك بأن الذي أتى به مفترى افتراه بل يزيدون فيدعون أنه كذاب فإن الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع وعلى هذا قوله تعالى: (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون. بل تأتيهم بغتة فتبهتهم) أي لو يعلمون ما هو زائد عن الأول وأعظم منه وهو أن تأتيهم بغتة، وجميع ما في القرآن من لفظ بل لا يخرج من أحد هذين الوجهين وإن دق الكلام في بعضه.
بلد: البلد المكان المختط المحدود المتأنس باجتماع قطانه وإقامتهم فيه وجمعه بلاد وبلدان قال عز وجل: (لا أقسم بهذا البلد) قيل يعنى به مكة. وقال تعالى: (رب اجعل هذا البلد آمنا) وقال: (بلدة طيبة - فأنشرنا به بلدة ميتا - سقناه إلى بلد ميت) وقال عز وجل: (رب اجعل هذا بلدا آمنا) يعنى مكة وتخصيص ذلك في أحد الموضعين وتنكيره في الموضع الآخر له موضع غير هذا الكتاب.
وسميت المفازة بلدا لكونها موطن الوحشيات والمقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات والبلدة منزل من منازل القمر. والبلدة البلجة ما بين الحاجبين تشبيها بالبلد لتحدده وسميت الكركرة بلدة لذلك وربما استعير ذلك لصدر الانسان. ولاعتبار الأثر قيل بجلده بلد أي أثر وجمعه أبلاد، قال الشاعر:
* وفى النجوم كلوم ذات أبلاد * وأبلد الرجل صار ذا بلد نحو أنجد وأتهم، وبلد لزم البلد ولما كان اللازم لموطنه كثيرا ما يتحير إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحير بلد في أمره وأبلد وتبلد، قال الشاعر:
* لابد للمحزون أن يتبلدا *