تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ٢٤٦
وقال السدي: كانت تلك العصا استودعها ملك في صورة رجل، وأمر ابنته أن تأتيه بعصا، فدخلت الجارية فأخذت العصا فأتته بها، فلما رآها الشيخ قال لابنته، آتيه بغيرها، فلما رمتها تريد أن تأخذ غيرها فلا تقع في يدها إلا هي، كل ذلك تطير في يدها حتى فعلت ذلك مرات، فأعطاها موسى، فأخرجها معه، ثم إن الشيخ ندم، وقال: كانت وديعة، فخرج يتلقى موسى، فلما لقيه، قال: أعطني العصا، قال موسى: هي عصاي، فأبى أن يعطيه، فاختصما حتى رضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما، فأتاهما ملك يمشي، فقضى بينهما، فقال: ضعوها بالأرض فمن حملها فهي له، فعالجها الشيخ فلم يطقها، وأخذها موسى بيده فرفعها، فتركها له الشيخ.
وروى حيان عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أنه قال: كان في دار يثرون بيت لا يدخله إلا يثرون وابنته التي زوجها موسى، كانت تكنسه وتنظفه، وكان في البيت ثلاث عشرة عصا، وكان ليثرون أحد عشر ولدا من الذكور، فكلما أدرك منهم ولد أمره بدخول البيت وإخراج عصا من تلك العصي، فجعل يحترق الولد حتى هلك كلهم، فرجع موسى ذات يوم إلى منزله فلم يجد أهله، واحتاج إلى عصا لرعيه، فدخل ذلك البيت وأخذ عصا من تلك العصي وخرج بها، فلما علمت بذلك امرأته انطلقت إلى أبيها، وأخبرته بذلك، فسر بها يثرون وقال لها: إن زوجك هذا نبي وإن له مع هذه العصا لشأنا.
وفي بعض الأخبار أن موسى (عليه السلام) لما أصبح من الغد بعد العقد وأراد الرعي قال له صهره شعيب: اذهب بهذه الأغنام، فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك ولا تأخذ على يمينك وإن كان الكلأ بها أكثر، فإن هناك تنينا عظيما أخشى عليك وعلى الأغنام منه. فذهب موسى بالأغنام، فلما بلغ مفرق الطريق أخذت الأغنام ذات اليمين، فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فسار موسى على أثرها، فرأى عشبا وريفا لم ير مثله، ولم ير التنين، فنام موسى والأغنام ترعى، فإذا بالتنين قد جاء، فقامت عصا موسى وحاربته حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى وهي دامية.
فلما استيقظ موسى رأى العصا دامية والتنين مقتولا، فارتاح لذلك وعلم أن لله سبحانه في تلك العصا قدرة وإرادة، فعاد إلى شعيب، وكان شعيب ضريرا فمس الأغنام، فإذا هي أمثل حالا مما كانت، فسأله، فأخبره موسى بالقصة، ففرح بذلك شعيب وعلم أن لموسى وعصاه شأنا، فأراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراما له وصلة لابنته فقال له: إني قد وهبت لك (من) الجدايا التي تضعها أغنامي في هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام.
قال: فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه، فما أخطأت واحدة منها إلا وقد
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»