تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٥
قالت: ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب، قال: ولم؟ قالت: أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت، انطلق النجار إلى أولئك الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى، فلما هم بالكلام أمسك الله سبحانه لسانه فلم ينطق الكلام، وجعل يشير بيده، فلما يدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه، فضربوه وأخرجوه.
فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله سبحانه عليه لسانه، فتكلم، فانطلق أيضا يريد الأمناء، فأتاهم ليخبرهم وأخذ الله سبحانه لسانه وبصره، فلم ينطق الكلام، ولم يبصر شيئا، فضربوه وأخرجوه، فوقع في واد تهوى فيه حيران، فجعل لله عليه إن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه، وأن يكون معه لحفظه حيث ما كان، فعرف الله عز وجل منه الصدق، فرد عليه بصره ولسانه فخر لله ساجدا، فقال: يا رب دلني على هذا العبد الصالح، فدله الله عليه، فخرج من الوادي، فآمن به وصدقه وعلم أن ذلك من الله.
فانطلقت أم موسى، فألقته في البحر، وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها، وكانت من أكرم الناس عليه، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون، وكان بها برص شديد مسلخة برصا، فكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة، فنظروا في أمرها، فقالوا له: أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد منه شبه الإنسان، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس.
فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية بنت مزاحم، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح بالماء على وجوههن، إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج، فقال فرعون: إن هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجرة، ائتوني به، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه.
قال: فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها للذي أراد الله سبحانه أن يكرمها، فعالجته ففتحت الباب، فإذا هي بصبي صغير في مهده، وإذا نور بين عينيه، وقد جعل
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»