ومعنى الآية إذا هالك أمر يدك وما ترى من شعاعها، فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى، وقال بعضهم: أمره الله سبحانه وتعالى أن يضم يده إلى صدره ليذهب الله عز وجل ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقيل: معناه سكن روعك واخفض عليك جأشك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه، وضم الجناح هو السكون، ومثله قوله سبحانه " * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) *) يريد الرفق، وقوله سبحانه: " * (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) *) أي ارفق بهم وألن جانبك لهم، وقال الفراء: أراد بالجناح عصاه.
وقال بعض أهل المعاني: الرهب، الكم بلغة حمير وبني حنيفة، وحكي عن الأصمعي أنه سمع بعض الأعراب يقول لآخر: أعطني ما في رهبك، قال: فسألته عن الرهب؟ فقال: الكم، ومعناه على هذا التأويل: اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم؛ لأنه تناول العصا ويده في كمه.
" * (فذانك) *) قراءة العامة بتخفيف (النون)، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد (النون) وهي لغة قريش، وفي وجهها أربعة أقوال: قيل: شدد النون عوضا من (الألف) الساقطة ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين لأن أصله " * (فذانك) *) فحذفت الألف الأولى لالتقاء الساكنين.
وقيل: التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك. وقيل: شددت فرقا بينها وبين التي تسقط للإضافة؛ لأن ذان لا تضاف. وقيل: للفرق بين تثنية الاسم المتمكن وبينها. قال أبو عبيد: وكان أبو عمرو يخص هذا الحرف بالتشديد دون كل تثنية في القرآن، وأحسبه فعل ذلك لقلة الحروف في الاسم، فقرأه بالتثقيل.
ومعنى الآية " * (فذانك) *) يعني العصا واليد البيضاء " * (برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) *) وأحسن بيانا، وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه " * (فأرسله معي ردءا) *) معينا، يقال: أردأته أي أعنته، وترك همزه عيسى بن عمر وأهل المدينة طلبا للخفة " * (يصدقني) *) قرأه العامة بالجزم، ورفعه عاصم وحمزة، وهو اختيار أبو عبيد، فمن جزمه فعلى جواب الدعاء، ومن رفعه فعلى الحال، أي ردءا مصدقا حاله التصديق كقوله سبحانه: " * (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون) *) أي كائنة حال صرف إلى الاستقبال.
" * (إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك) *) أن نقويك ونعينك " * (بأخيك) *) وكان هارون يومئذ بمصر " * (ونجعل لكما سلطانا) *) قوة وحجة وبرهانا " * (فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) *)) .