تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٣٠٥
فلما سار عليها غير كثير ربضت به فنزل عنها فضربها حتى إذا أذاقها قامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت، ففعل بها مثل ذلك فقامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت فضربها حتى إذا أذاقها أذن الله لها بالكلام فتكلمت حجة عليه فقالت: ويحك يا بلعم أين تذهب ألا ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا لنذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم، فلم ينزع عنها فخلى الله سبيلها فانطلقت حتى إذا أشرقت به على جبل جسبان جعل يدعو عليهم فلا يدعو عليهم بشيء إلا صرف به لسانه إلى قومه ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف مسألته إلى بني إسرائيل.
فقال له قومه: أتدري يابلعم ما تصنع إنما تدعو لهم وتدعو علينا، قال: فهذا ما لا أملك هذا شيء قد غلب الله عليه واندلع لسانه فوقع على صدره فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة فسأمكر لكم وأحتال، اجملوا النساء وزينوهن وأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يتعدوا فيه ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فإنهم إن زنا رجل واحد منهم يفتنوهم ففعلوا.
فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة بين الكنعانيين اسمها بشتي بنت صور برجل من عظماء بني إسرائيل يقال له زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليه السلام) فقام إليها فأخذ بيدها حين أفتنه جمالها ثم أقبل حتى وقف على موسى فقال: إني أظنك ستقول هذه حرام عليك قال: أجل هي حرام عليك لا تقربها قال: فوالله لا نطيعك في هذا ثم دخل بها قبته فوقع عليها فأرسل الله الطاعون على بني إسرائيل في الوقت.
وكان لفنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى رجل قد أعطى بسطة في الخلق وقوة في البطش وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع فجاء والطاعون (يمجس) في بني إسرائيل وأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل عليه القبة وهما متضاجعان (فاستقبلها) بحربته ثم خرج بهما رافعا بهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحيته.
وكان (يكره العيزار) وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك فرفع الطاعون. فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص فوجوده قد هلك منهم سبعون ألفا في ساعة من نهار، فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص كل ذبيحة ذبحوها الفشة والذراع واللحى، لاعتماده بالحربة على خاصرته وأخذه إياها بذراعه وبإسناده إياها إلى لحيته، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم لأنه كان (بكرا) لعيزار بن هارون وفي بلعم أنزل الله تعالى: " * (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا) *) الآية
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»