تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٣
ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود، فذلك قوله " * (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة) *) وهو داود بن أيشا بن سوئل بن ناغر بن سلمون بن يخشون بن عمي ابن يا رب بن رام بن حصرون بن فارض بن يهود بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ج، وأتاه الله الملك والحكمة يعني النبوة.
" * (وعلمه مما يشاء) *) فقال الكلبي وغيره: يعني صنعة الدروع، والتقدير: في السر وكان يصنعها ويبيعها حتى جمع من ذلك مالا، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه دليله قوله: " * (وعلمناه صنعة لبوس لكم) *) وقيل: منطق الطير وكلام النحل والنمل، وقيل: الزبور، وقيل: الصوت الطيب والألحان، ولم يعط الله أحدا من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور يدنوا الوحوش حتى تؤخذ بأعناقها وتظله الطيور مصيخة له. ويركد الماء الجاري ويسكن الريح، وما صنعت المزامير والبرابط والصنوج إلا على صوته.
الضحاك عن ابن عباس قال: إن الله سبحانه أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود ج وكان قوتها قوة الحديد ولونها لون النار وحلقها مستدير مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان اللؤلؤ الرطب، فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فعلم داود ذلك الحدث، ولا يمسها ذو عاهة إلا برء، وكان علامة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود إلى أن رفعت، وكانوا يأتونها فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقا أتى السلسلة، فمن كان صادقا محقا مد يده إلى السلسلة فنالتها ومن كان كاذبا ظالما لم ينلها، وكانت كذلك إلى أن ظهر فيهم المكر والخديعة.
فبلغنا أن بعض ملوكها أودع رجلا جوهرة ثمينة، فلما استردها منه أنكر فتحاكما إلى السلسلة، فعلم الذي كانت الجوهرة عنده أن يده لا تنال السلسلة، فعمد إلى عكازه فنقرها ثم ضمنها الجوهرة وأعتمد عليها حتى حضروا السلسلة.
فقال صاحب الجوهرة: رد إلى الوديعة.
فقال صاحبه: ما أعلم لك عندي وديعة، فإن كنت صادقا فتناول السلسلة فتناولها بيده، فقيل للمنكر أيضا: قم أنت أيضا فتناولها، فقال لصاحب الجوهرة: خذ عكازتي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة، فأخذها وقال الرجل: اللهم إن كنت تعلم إن هذه الوديعة يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب السلسلة، فمد يده فتناولها، فتعجب القوم وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»