تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٢٢١
فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنبكوت، قال: لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى، وانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه.
وطعن العلماء والعباد في طالوت في شأن داود، فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله وأغرى بقتل العلماء، فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل فيطيق قتله إلا قتله ولم يكن يحارب جيشا إلا هزم، حتى أتى بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر جبارا بقتلها فرحمها الجبار فقال: لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها، فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل وأقبل على البكاء حتى رحمه.
فكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي: أنشد الله عبدا يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها.
فلما أكثر عليهم ناداه منادا من القبور: يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتا، فازداد بكاء وحزنا، فرحمه الجبار فكلمه فقال: مالك أيها الملك؟
فقال: هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة؟
فقال الجبار: هل تدري ما مثلك؟ إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه، فقال: لا تتركوا في القرية ديكا إلا ذبحتموه، فلما أراد أن ينام قال لأصحابه، إذا صاح الديك فأيقضونا حتى ندلج.
فقالوا: هل تركت ديكا نسمع صوته.
ولكن هل تركت عالما في الأرض، فازداد حزنا وبكاء.
فلما رأى الجبار ذلك قال: أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله.
قال: لا.
فتوثق عليه الجبار فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال: انطلق بي إليها أسألها هل لي من توبة؟
وكان إنما يعلم ذلك الاسم أهل بيت إذا فنيت رجالهم علمت نساءهم.
فلما بلغ طالوت الباب قال الجبار: أيها الملك إنها إن رأتك فزعت، فخلفه خلفه ثم دخل عليها فقال لها: ألست أعظم الناس عليك منة أن نجيتك من القتل وآويتك عندي؟
قالت: بلى.
قال: فإن لي إليك حاجة: هذا طالوت يسأل هل له من توبة، فغشي عليها من الخوف.
فقال لها: إنه لا يريد قتلك ولكن يسألك هل له من توبة؟
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»