تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ١٩٣
يأخذن شيئا من المهر، أويعفو الزوج فيعطيها الصداق كاملا، وهذا قول علي وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد ومحمد بن كعب القرضي ونافع والربيع وقتادة وابن حبان والضحاك ورواية عمار بن أبي عمار عن ابن عباس، وهو مذهب (أهل) العراق لا يرون سبيلا للولي على شيء من صداقها إلا بإذنها، ثيبا كانت أو بكرا، قالوا: لإجماع الجميع من أن ولي المرأة لو أبرأ زوجها من مهرها قبل الطلاق أنه لا يجوز ذلك، فكذلك إبراؤه وعفوه بعد الطلاق لا يجوز، ولإجماعهم أيضا على أنه لو وهب وليها من مالها لزوجها درهما بعد البينونة أثم ما لم يكن له ذلك، وكانت تلك الهبة باطلة والمهر مال من أموالها، فوجب أن يكون الحكم كحكم بإبراء، مالها ولإجماعهم أن من الأولياء من لا يجوز عفوه عليها بالإجماع، وهم بنو الأخوة وبنو الأعمام وما يفرق الله (بعض) في الآية.
عن عيسى بن عاصم قال: سمعت شريحا يحدث قال: سألني علي عن الذي بيده عقدة النكاح، فقلت: ولي المرأة، فقال: لا، بل الزوج، وروي أن رجلا زوج أخته وطلقها زوجها قبل أن يدخل بها؛ فعفا أخوها عن المهر فأجازه شريح، ثم قال: أنا أعفو عن نساء بني مرة فقال عامر: لا والله ما قضى شريح قضاء أردأ ولا هو أحمق فيه منه أن يجيز عفو الأخ، قال: رجع بعد شريح عن قوله، وقال: هو الزوج.
وعن القاسم قال: كان أشياخ الكوفة ليأتون شريحا فيخاصمونه في قوله " * (الذي بيده عقدة النكاح) *) حتى يجثو على ركبتيه فيقول شريح: إنه الزوج، إنه الزوج.
روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قالوا: هو الزوج، وقال طاووس ومجاهد: هو الولي فكلمتهما في ذلك فرجعا عن قولهما وتابعا سعيد وقالا: هو الزوج، وروى محمد بن شعيب مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذي بيده عقدة النكاح الزوج، يعفو فيعطي الصداق كاملا).
وعن صالح بن كيسان أن جبير بن مطعم تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يبني بها فأكمل لها الصداق وقال: أنا أحق بالعفو وتأول قوله: " * (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) *) فيكون وجه الآية على هذا التأويل " * (الذي بيده عقدة النكاح) *) نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده، فلما أدخل الألف واللام حذف الهاء كقوله " * (فإن الجنة هي المأوى) *) يعني مأواه، وقال النابغة:
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الناس فالأحلام غير عوازب
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»