تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ١٩٠
في مال المطلق كما تقضى عليه سائر الديون الواجبة عليه، سواء دخل بها أو لم يدخل، فرض لها أو لم يفرض إذا كان الطلاق من قبله، فأما إذا كان الفراق من قبلها فلا متعة لها ولا مهر، وهو قول الحسن وسعيد بن جبير وأبي العالية ومحمد بن جرير، قال: لقوله تعالى: " * (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) *) فأوجب المتعة لجميع المطلقات ولم يفرق، ويكون معنى الآية على هذا القول: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة أو لم تفرضوا لهن فريضة، لأن كل منكوحة إنما هي احدى اثنتين: مسمى لها الصداق أو غير مسمى لها فعلمنا بالذي نقلوا من قوله " * (أو تفرضوا لهن فريضة) *) أن المعنية بقوله: " * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) *) المفروضات لهن " * (من قبل أن تمسوهن) *) وغير المفروض لها إذ لا معنى لقول القائل: " * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة) *) ثم قال: " * (ومتعوهن) *) يعني الجميع.
وقال آخرون: المتعة واجبة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فإنه لا متعة لها وإنما لها نصف الصداق المسمى، وهذا قول عبد الله بن عمر ونافع وعطاء ومجاهد ومذهب الشافعي، ويكون وجه الآية على هذا القول لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة، الألف زائدة كقوله " * (أو يزيدون) *) ونحوها، ثم أمر بالمتعة لهن.
ويجوز أن يكون قوله " * (ومتعوهن) *) راجعا إلى المطلقات غير المفروضات قبل المسيس دون المفروضات لهن، ويكون قوله في عقبه: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن مختصا له، فجرى في أول الآية على ظاهر العموم في المفروضات وغير المفروضات، وفي قوله " * (ومتعوهن) *) على التخصيص في غير المفروضات للآية التي بعدها.
وقال الزهري: متعتان يقضي بأحدهما السلطان ولا يقضي بالأخرى، بل يلزمه فيما بينه وبين الله، فأما التي يقضي بها السلطان فهو فيمن طلق قبل أن يفرض لها ويدخل بها فإنه يؤخذ بالمتعة وهو قوله: " * (حقا على المحسنين) *).
والمتعة التي تلزم فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقضي به السلطان هي فيمن طلق بعدما يدخل بها ويفرض لها وهو قوله: " * (حقا على المتقين) *) وقال بعضهم: ليس شيء من ذلك بواجب، وإنما المتعة إحسان والأمر بها أمر ندب واستحباب لا أمر فرض وإيجاب، وهو قول أبي حنيفة، وروى ابن سيرين أن رجلا طلق امرأة وقد دخل بها، فخاصمته إلى شريح في المتعة فقال شريح: لا تاب أن يكون من المحسنين ولا تاب أن يكون من المتقين ولم يجبره على ذلك.
واختلفوا في قدر المتعة ومبلغها، فقال ابن عباس والشعبي والزهري والربيع بن أنس
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»