وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن خلا رجل بامرأة ولم يجامعها حتى فارقها فإن المهر الكامل يلزمه، والعدة تلزمها لخبر ابن مسعود: قضى الخلفاء الراشدون فيمن أغلق بابا وأرخى سترا أن لها المهر وعليها العدة، وأما الشافعي فلا يلزم مهرا كاملا ولا عدة إذ لم يكن دخول بظاهر القرآن.
قال شريح: لم أسمع الله تعالى ذكر في كتابه بابا ولا سترا، إنما زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق، وهو مذهب ابن عباس.
وهذه الآية ناسخة الآية التي في سورة الأحزاب " * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات) *) الآية، إلى قوله: " * (فمتعوهن) *) قد كان لها المتاع، فلما نزلت هذه الآية نسخت ما كان قبلها وأوجبت للمطلقة المفروض لها قبل المسيس نصف مهرها المسمى، ولا متاع لها كما قال عز من قائل: " * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *) تجامعوهن.
" * (وقد فرضتم لهن فريضة) *) أوجبتم لهن صداقا، وسميتم لهن مهرا، وأصل الفرض القطع، ومنه قيل لحز الميزان والقوس: فرضة، وللنصيب فريضة لأنه قطعه من الشيء " * (فنصف ما فرضتم) *) أي نصف المهر المستحق، وقرأ السلمي فنصف بضم النون حيث وقع، وهما لغتان.
ثم قال " * (إلا أن يعفون) *) يعني النساء، ومحل يعفون نصب بأن إلا أن جمع المؤنث في الفعل المضارع يستوي في الرفع والنصب والجزم، يكون في كل حال بالنون تقول: هن يضربن، ولن يضربن، ولم يضربن لأنها لو سقطت النون لاشتبه بالمذكر.
" * (أو يعفو) *) قرأ الحسن ساكنة الواو كأنه استثقل الفتحة في الواو كما استثقلت الضمة فيها " * (الذي بيده عقدة النكاح) *) اختلف العلماء فيه، فقال بعضهم: هو الولي، ومعنى الآية إلا أن يعفون أي يهبن ويتركن النصف فلا يطالبن الأزواج إذا كن ثيبات بالغات رشيدات جائزات الأمر، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو وليها، فيترك ذلك النصف إذا كانت بكرا أو غير جائزة الأمر، ويجوز عفوه عليها وإن كرهت، فإن عفت المرأة وأبى الولي فالعفو جائز، فإن عفى الولي وأبت المرأة فالعفو جائز بعد أن لا تريد ضرارا، وهذا قول (علي) وأصحاب عبد الله وإبراهيم وعطاء والحسن والزهري والسدي وأبو صالح وأبي زيد وربيعة الرأي، ورواية العوفي عن ابن الحسن.
وروى معمر عن ابن طاووس عن أبيه وعن إسماعيل بن شرواس قالا: الذي بيده عقدة النكاح هو الولي، وقال عكرمة: أذن الله تعالى هو في العفو ورضي به وأمر به، فأي امرأة عفت جاز عفوها وان شحت وضنت عفا وليها وجاز عفوه، وهذا مذهب فقهاء الحجاز إلا أنهم قالوا: يجوز عفو ولي البكر فإذا كانت ثيبا فلا يجوز عفوه عليها.
وقال بعضهم: الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، ومعنى الآية: إلا أن تعفو النساء فلا