قوله تعالى: * (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) * [الآية: 5].
قال ابن عطاء: أخرجك من بلدتك ليحيى بك قلوبا عميا عن الحق * (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) * مفارقة أوطانهم [ولا يتم لعبد حقيقة الصحبة والنصيحة إلا بعد هجران أقاربه ومفارقة أوطانه].
أخرجهم من تلك البلدة حتى ألفوا غيرها من البلاد، ولم يتبق عليهم مطالبة لها فردهم إليها لئلا يملكهم سوى الحق شيء.
وقال بعضهم في هذه الآية: أفناك عن أوصافك ومواضع سكونك واعتمادك، وما كان يميل إليه قلبك، لئلا تلاحظ مجالا ولا تسكن إلى مألوف، فأخرجك من المألوفات، ليكون بالحق قيامك وعليه اعتمادك * (وإن فريقا من المؤمنين لكارهون) * ظاهر خروجك ومفارقة أوطانك ولا يعلمون أن خروجك منها الخروج عن جميع الرسوم المألوفة والطبائع المعهودة، وإنك بمفارقة هذا الوطن المعتاد يصير الحق وطنك.
قوله عز اسمه: * (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) * [الآية: 7].
قال بعضهم: من ظن أنه يصل إلى الحق بالجهد فمتعن، ومن ظن أنه يصل إليه بغير جهد فمتمن.
قال بعضهم: لا يصل أحد إلى حياة القلب ما لم يمت نفسه بنزاع الشهوات عنها ومخالفتها في جميع الأحوال وهو معنى قوله: * (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) *.
قوله عز وعلا: * (ليحق الحق ويبطل الباطل) * [الآية: 8].
قال بعضهم: ليحق الحق بالكشف، ويبطل الباطل بالستر.
وقال بعضهم: ليحق الحق بالقبول، ويبطل الباطل بالرد.
قال الواسطي: ليحق الحق بتجليه، ويبطل الباطل باستتاره.
وقال بعضهم: ليحق الحق بالاقبال عليه، ويبطل الباطل بالاعراض عنه.
وقال بعضهم: ليحق الحق بالرضا، ويبطل الباطل بالسخط.