أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٩٦
الأكل فهذا حكم اللفظ إذا ورد في مثله، ولولا قيام الدلالة وكون المعنى معقولا من اللفظ على الوجه الذي ذكرنا لما كانت إباحة الأكل موجبة للتمليك، ولذلك قال أصحابنا فيمن أباح لرجل أكل طعامه: إنه ليس له أن يتملكه ولا يأخذه وإنما له الأكل فحسب، ولكنه لما كان في مفهوم خطاب الآية التمليك على الوجه الذي ذكرنا أوجب التمليك، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) فجعل الأربعة الأخماس غنيمة لهم، وذلك يقتضي التمليك، وكذلك ظاهر قوله تعالى: (فكلوا مما غنمتم) لما أضاف الغنيمة إليهم فقد أفاد تمليكها إياهم بإطلاقه لفظ الغنيمة فيه، ثم عطفه الأكل عليها لم ينف ما تضمنه من التمليك كما لو قال: كلوا مما ملكتم، لم يكن إطلاق لفظ الأكل مانعا من صحة الملك. ويدل على ذلك دخول " الفاء " عليه، كأنه قال:
قد ملكتكم ذلك فكلوا.
والغنيمة اسم لما أخذ من أموال المشركين بقتال، فيكون خمسه لله تعالى وأربعة أخماسه للغانمين بقوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه). وأما الفيء فهو كل ما صار من أموال المشركين إلى المسلمين بغير قتال، روي هذا الفرق بينهما عن عطاء بن السائب وعن سفيان الثوري أيضا.
قال أبو بكر: الفيء كل ما صار من أموال المشركين إلى المسلمين بقتال أو بغير قتال، إذ كان سبب أخذه الكفر، قال أصحابنا: الجزية فيء والخراج وما يأخذه الإمام من العدو على وجه الهدنة والموادعة فهو فيء أيضا. وقال الله عز وجل: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول) [الحشر: 7] الآية، فقيل: إن هذا فيما لم يوجف عليه المسلمون مثل فدك وما أخذ من أهل نجران، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم صرفه في هذه الوجوه. وقيل: إن هذه كانت في الغنائم فنسخت بقوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه). وجائز عندنا أن لا تكون منسوخة وأن تكون آية الغنيمة فيما أو جف عليه المسلمون بخيل أو ركاب وظهر عليهم بالقتال، وآية الفيء التي في الحشر فيما لم يوجف عليه المسلمون وأخذ منهم على وجه الموادعة والهدنة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بأهل نجران وفدك وسائر ما أخذه منهم بغير قتال، والله أعلم بالصواب.
باب التوارث بالهجرة قال الله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) الآية. حدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»