مطلب: في المدد يلحق الجيش في دار الحرب قبل إحراز الغنيمة واختلف في المدد يلحق الجيش في دار الحرب قبل إحراز الغنيمة، فقال أصحابنا: " إذا غنموا في دار الحرب ثم لحقهم جيش آخر قبل اخراجها إلى دار الاسلام فهم شركاء فيها ". وقال مالك والثوري والليث والأوزاعي والشافعي: " لا يشاركونهم ".
قال أبو بكر: الأصل في ذلك عند أصحابنا أن الغنيمة إنما يثبت فيها الحق بالإحراز في دار الاسلام ولا يملك إلا بالقسمة، وحصولها في أيديهم في دار الحرب لا يثبت لهم فيها حقا، والدليل عليه أن الموضع الذي حصل فيه الجيش من دار الحرب لا يصير مغنوما إذا لم يفتتحوها، ألا ترى أنهم لو خرجوا ثم دخل جيش آخر ففتحوها لم يصر الموضع الذي صار فيه الأولون ملكا لهم وكان حكمه حكم غيره من بقاع أرض الحرب؟ والمعنى فيه أنهم لم يحرزوه في دار الاسلام، فكذلك سائر ما يحصل في أيديهم قبل خروجهم إلى دار الاسلام لم يثبت لهم فيه حق إلا بالحيازة في دارنا، فإذا لحقهم جيش آخر قبل الإحراز في دار الاسلام كان حكم ما أخذوه حكم ما في أيدي أهل الحرب فيشترك الجميع فيه. وأيضا قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء) يقتضي أن يكون غنيمة لجميعهم، إذ بهم صار محرزا في دار الاسلام، ألا ترى أنهم ما داموا في دار الحرب فإنهم يحتاجون إلى معونة هؤلاء في إحرازها كما لو لحقوهم قبل أخذها شاركوهم؟ ولو كان حصولها في أيديهم يثبت لهم فيها حقا قبل إحرازها في دار الاسلام لوجب أن يصير الموضع الذي وطئه الجيش من دار الاسلام، كما لو افتتحوها لصارت دارا للإسلام، وفي اتفاق الجميع على أن وطء الجيش لموضع في دار الحرب لا يجعله من دار الاسلام دليل على أن الحق لا يثبت فيه إلا بالحيازة واحتج من لم يقسم للمدد بما روى الزهري عن عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه بخيبر بعد ما فتحت وإن حزم خيلهم الليف، قال أبان: اقسم لنا يا رسول الله! قال أبو هريرة: فقلت:
لا تقسم لهم شيئا يا نبي الله! قال أبان: أنت بهذا يا وتر نجد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اجلس يا أبان " فلم يقسم لهم. وهذا لا حجة فيه، لأن خيبر صارت دار الاسلام بظهور النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وهذا لا خلاف فيه.
وقد قيل فيه وجه آخر، وهو ما روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة قال: " ما شهدت لرسول الله مغنما إلا قسم لي إلا خيبر فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة ". فأخبر في هذا الحديث أن خيبر كانت لأهل الحديبية خاصة