تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم). قيل له: قد احتجت هي في أن ذلك في المطلقة الرجعية، ومع ذلك فإن جاز عليها الوهم والغلط في روايتها حدثنا مخالفا للكتاب فكذلك سبيلها في النفقة.
وللحديث عندنا وجه صحيح يستقيم على مذهبنا فيما روته من نفي السكنى والنفقة، وذلك لأنه قد روي أنها استطالت بلسانها على أحمائها فأمروها بالانتقال وكانت سبب النقلة، وقال الله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)، وقد روي عن ابن عباس في تأويله: " أن تستطيل على أهله فيخرجوها " فلما كان سبب النقلة من جهتها كانت بمنزلة الناشزة، فسقطت نفقتها وسكناها جميعا، فكانت العلة الموجبة لإسقاط النفقة هي الموجبة لإسقاط السكنى، وهذا يدل على صحة أصلنا الذي قدمنا في أن استحقاق النفقة متعلق باستحقاق السكنى.
فإن قيل: ليست النفقة كالسكنى، لأن السكنى حق لله تعالى لا يجوز تراضيهما على اسقاطها، والنفقة حق لها لو رضيت بإسقاطها لسقطت. قيل له: لا فرق بينهما من الوجه الذي وجب قياسها عليها، وذلك لأن السكنى فيها معنيان: أحدهما حق لله تعالى وهو كونها في بيت الزوج، والآخر: حق لها وهو ما يلزم في المال من أجرة البيت إن لم يكن له، ولو رضيت بأن تعطى هي الأجرة وتسقطها عن الزوج جاز، فمن حيث هي حق في المال قد استويا.
واختلفوا في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وشريح وأبو العالية والشعبي وإبراهيم: " نفقتها من جميع المال ". وقال ابن عباس وجابر وابن الزبير والحسن وابن المسيب وعطاء: " لا نفقة لها في مال الزوج بل هي على نفسها ". واختلف فقهاء الأمصار أيضا في ذلك، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: " لا سكنى لها ولا نفقة في مال الميت حاملا كانت أو غير حامل ". وقال ابن أبي ليلى: " نفقتها في مال الزوج بمنزلة الدين على الميت إذا كانت حاملا ". وقال مالك:
" نفقتها على نفسها وإن كانت حاملا ولها السكنى إن كانت الدار للزوج، وإن كان عليه دين فالمرأة أحق بسكناها حتى ينقضي عدتها، وإن كانت في بيت بكراء فأخرجوها لم يكن لها سكنى في مال الزوج "، هذه رواية ابن وهب. وقال ابن القاسم عن مالك:
" لا نفقة لها في مال الزوج الميت ولها السكنى إن كان الدار للميت، وإن كان عليه دين فهي أحق بالسكنى من الغرماء وتباع للغرماء ويشترط السكنى على المشتري ". وقال الأشجعي عن الثوري: " إذا كانت حاملا أنفق عليها من جميع المال حتى تضع، فإذا وضعت أنفق على الصبي من نصيبه ". وروى المعافى عنه أن نفقتها من حصتها. وقال