أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦١٦
الأول الذي قدمناه، وروى القاسم بن محمد أن مروان ذكر لعائشة حديث فاطمة بنت قيس فقالت: لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة بنت قيس! وقالت في بعضه: ما لفاطمة خير في أن تذكر هذا الحديث! يعني قولها: " لا سكنى لك ولا نفقة ". وقال ابن المسيب تلك امرأة فتنت الناس، استطالت على أحمائها بلسانها، فأمرت بالانتقال. وقال أبو سلمة: أنكر الناس عليها ما كانت تحدث به. وروى الأعرج عن أبي سلمة أن فاطمة كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها: " اعتدي في بيت ابن أم مكتوم "، قال: وكان محمد بن أسامة يقول: كان أسامة إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئا رماها بما كان في يده، فلم يكن ينكر عليها هذا النكير إلا وقد علم بطلان ما روته. وروى عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال: كنت عند الأسود بن يزيد في المسجد فقال الشعبي: حدثتني فاطمة بنت قيس أن النبي قال لها: " لا سكنى لك ولا نفقة " قال: فرماه الأسود بحصا ثم قال:
ويلك! أتحدث بمثل هذا؟ قد رفع ذلك إلى عمر فقال: لسنا بتاركي كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها كذبت، قال الله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن). وروى الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: " أن فاطمة بنت قيس أفتت بنت أخيها وقد طلقها زوجها بالانتقال من بيت زوجها، فأنكر ذلك مروان، فأرسل إلى فاطمة يسألها عن ذلك، فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بذلك، فأنكر ذلك مروان وقال: قال الله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن)، قالت فاطمة: إنما هذا في الرجعي لقوله تعالى: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف)، فقال مروان: لم أسمع بهذا الحديث من أحد قبلك وسآخذ بالعصمة التي وجدت الناس عليها ". فقد ظهر من هؤلاء السلف النكير على فاطمة في روايتها لهذا الحديث، ومعلوم أنهم كانوا لا ينكرون روايات الأفراد بالنظر والمقايسة، فلو لا أنهم قد علموا خلافه من السنة ومن ظاهر الكتاب لما أنكروه عليها. وقد استفاض خبر فاطمة في الصحابة فلم يعمل به منهم أحد إلا شيئا روي عن ابن عباس، رواه الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول في المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها: " لا نفقة لهما وتعتدان حيث شاءتا "، فهذا الذي ذكرنا في رد خبر فاطمة بنت قيس من جهة ظهور النكير من السلف عليها وفي روايتها ومعارضة حديث عمر إياه يلزم الفريقين من نفاة السكنى والنفقة وممن نفى النفقة وأثبت السكنى وهو لمن نفى النفقة دون السكنى ألزم لأنهم قد تركوا حديثها في نفي السكنى لعلة أوجبت ذلك، فتلك العلة بعينها هي الموجبة لترك حديثها في نفي النفقة.
فإن قيل: إنما لم يقبل حديثها في نفي السكنى لمخالفته لظاهر الكتاب، وهو قوله
(٦١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 611 612 613 614 615 616 617 618 619 620 621 ... » »»