وهو في التي قد تيقن إياسها ارتياب المخاطبين في العدة، فوجب أن يكون في المشكوك في إياسها مثله لعموم اللفظ في الجميع. وأيضا فإذا كانت عادتها وهي شابة أنها تحيض في كل سنة مرة، فهذه غير مرتاب في إياسها بل قد تيقن أنها من ذوات الحيض، فكيف يجوز أن تكون عدتها سنة مع العلم بأنها غير آيسة وأنها من ذوات الحيض! وتراخي ما بين الحيضتين من المدة لا يخرجها من أن تكون من ذوات الحيض، فالموجب عليها عدة الشهور مخالف للكتاب، لأن الله تعالى جعل عدة ذوات الأقراء الحيض بقوله تعالى:
(و المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 288] ولم يفرق بين من طالت مدة حيضتها أو قصرت. ولا يجوز أيضا أن يكون المراد الارتياب في الإياس من الحمل، لأن اليأس من الحيض هو الإياس من الحبل، وقد دللنا على بطلان قول من رد الارتياب إلى الحيض، فلم يبق إلا الوجه الثالث، وهو ارتياب المخاطبين، على ما روي عن أبي بن كعب حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين شك في عدة الآيسة والصغيرة. و أيضا لو كان المراد الارتياب في الإياس لكان توجيه الخطاب إليهن أولى من توجيهه إلى الرجال، لأن الحيض إنما يتوصل إلى معرفته من جهتها، ولذلك كانت مصدقة فيه، فكان يقول: إن ارتبتن أو ارتبن، فلما خاطب الرجال بذلك دونهن علم أنه أراد ارتياب المخاطبين في العدة.
وقوله تعالى: (واللائي لم يحضن) يعني: واللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر، لأنه كلام لا يستقل بنفسه فلا بد له من ضمير، وضميره ما تقدم ذكره مظهرا وهو العدة بالشهور.
باب عدة الحامل قال الله تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن). قال أبو بكر: لم يختلف السلف والخلف بعدهم أن عدة المطلقة الحامل أن تضع حملها، واختلف السلف في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال علي وابن عباس: " تعتد الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين ". وقال عمر وابن مسعود وابن عمر وأبو مسعود البدري وأبو هريرة:
" عدتها الحمل فإذا وضعت حلت للأزواج "، وهو قول فقهاء الأمصار. قال أبو بكر:
روى إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: " من شاء لاعنته ما نزلت: (وأولات الأحمال أجلهن) إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها ". قال أبو بكر: قد تضمن قول ابن مسعود هذا معنيين، أحدهما: إثبات تاريخ نزول الآية وأنها نزلت بعد ذكر الشهور للمتوفى عنها زوجها، والثاني: أن الآية مكتفية بنفسها في إفادة الحكم على عمومها غير مضمنة بما قبلها من ذكر المطلقة، فوجب اعتبار الحمل في الجميع من المطلقات