وهي طاهر فقد طلقها للسنة وإن كان قد جامعها "، وهذا القول خلاف السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلاف إجماع الأمة، إلا أنه قد روي عنه ما يدل على أن أراد الحامل، وهو ما رواه يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن بيان عن الشعبي قال: " إذا طلقها حاملا فقد طلقها للسنة وإن كان قد جامعها "، فيشبه أن يكون هذا أصل الحديث وأغفل بعض الرواة ذكر الحامل.
وقوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) منتظم للواحدة وللثلاث مفرقة في الأطهار، لأن إدخال " اللام " يقتضي ذلك، كقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) [الإسراء: 78] قد انتظم فعلها مكرر عند الدلوك، فدل ذلك على معنيين، أحدهما: إباحة الثلاث مفرقة في الأطهار وإبطال قول من قال: " إيقاع الثلاث في الأطهار المتفرقة ليس من السنة " وهو مذهب مالك والأوزاعي والحسن بن صالح والليث.
والثاني: تفريقها في الأطهار وحظر جمعها في طهر واحد، لأن قوله: (لعدتهن) يقتضي ذلك لا فعل الجميع في طهر واحد، كقوله تعالى: (لدلوك الشمس) [الإسراء: 78] لم يقتض فعل صلاتين في وقت واحد وإنما اقتضى فعل الصلاة مكررة في الأوقات. وقول أصحابنا: إن طلاق السنة من وجهين، أحدهما: في الوقت، وهو أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها، والآخر: من جهة العدد، وهو أن لا يزيد في الطهر الواحد على تطليقة واحدة. والوقت مشروط لمن يطلق في العدة، لأن من لا عدة عليها بأن كان طلقها قبل الدخول فطلاقها مباح في الحيض لقوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) [البقرة: 236]، فأباح طلاقها في كل حال مطهر أو حيض، وقد بينا بطلان قول من قال إن جمع الثلاث في طهر واحد من السنة ومن منع إيقاع الثلاث في الأطهار المتفرقة في سورة البقرة.
فإن قيل: لما جاز طلاق الحامل بعد الجماع كذلك الحائل يجوز طلاقها في الطهر بعد الجماع. قيل له: لا حظ للنظر مع الأثر واتفاق السلف، ومع ذلك فإن الفرق بينهما واضح وهو أنه إذا طهرت من حيضتها ثم جامعها لا ندري لعلها قد حملت من الوطء وعسى أن لا يريد طلاقها إن كانت حاملا فيلحقه الندم، وإذا لم يجامعها بعد الطهر فإن وجود الحيض علم لبراءة الرحم فيطلقها وهو على بصيرة من طلاقها.
قوله تعالى: (وأحصوا العدة) يعني والله أعلم العدة التي أوجبها الله بقوله تعالى:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228] وبقوله: (واللائي يئسن من المحيض) [الطلاق: 4] إلى قوله: (واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) [الطلاق: 4] لأن جميع ذلك عدد للمطلقات على حسب اختلاف