عليه والتحريم أيضا يمين، وهذا عند أصحابنا يختلف في وجه ويتفق في وجه آخر، فالوجه الذي يوافق اليمين فيه التحريم أن الحنث فيهما يوجب كفارة اليمين، والوجه الذي يختلفان فيه أنه لو حلف أنه لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لم يحنث، ولو قال:
" قد حرمت هذا الرغيف على نفسي " فأكل منه اليسير حنث ولزمته الكفارة، لأنهم شبهوا تحريمه الرغيف على نفسه بمنزلة قوله والله لا أكلت من هذا الرغيف شيئا، تشبيها له بسائر ما حرمه الله من الميتة والدم أنه اقتضى تحريم القليل منه والكثير.
واختلف السلف في الرجل يحرم امرأته، فروي عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر: " أن الحرام يمين "، وهو قول الحسن وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء وطاوس. وروي عن ابن عباس رواية مثله، وروي عنه غير ذلك. وعن علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت رواية وابن عمر رواية وأبي هريرة وجماعة من التابعين قالوا: " هي ثلاث ". وروى خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقول في الحرام بمنزلة الظهار. وروى منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " النذر والحرام إذا لم يسم مغلظة، فتكون عليه رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ". وروى ابن جبير عن ابن عباس أيضا: " إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها، أما لكم في رسول الله أسوة حسنة! " وهذا محمول على أنه إذا لم تكن له نية فهو بمنزلة يمين، وأنه إن أراد الظهار كان ظهارا. وقال مسروق: " ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد ". وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن: " ما أبالي حرمت امرأتي أو ماء فراتا ". قال أبو بكر: وليس فيه دلالة على أنهم لم يروه يمينا، لأنه لا جائز أن يكون قولهما في تحريم الثريد والماء أنه يمين، فكأنهما لم يريا ذلك طلاقا، وكذلك نقول إنه ليس بطلاق إلا أن ينويه، فلم تظهر مخالفة هذين لمن ذكرنا قولهم من الصحابة واتفاقهم على أن هذا القول ليس بلغو وإنه إما أن يكون يمينا أو طلاقا أو ظهارا.
واختلف فقهاء الأمصار في الحرام، فقال أصحابنا: " إن نوى الطلاق فواحدة بائنة إلا أن لا ينوي ثلاثا، وإن لم ينو طلاقا فهو يمين وهو مول ". وذكر ابن سماعة عن محمد:
" أنه إن نوى ظهارا لم يكن ظهارا، لأن الظهار أصله بحرف التشبيه " وروى ابن شجاع عن أبي يوسف في اختلاف زفر وأبي يوسف: " أنه إن نوى ظهارا كان ظهارا ". وقال ابن أبي ليلى: " هي ثلاث ولا أسأله عن نيته ". وقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم: " الحرام لا يكون يمينا في شئ إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق، وهو ثلاث، إلا أن ينوي واحدة أو ثنتين فيكون على ما نوى ". وقال الثوري: " إن نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة، وإن نوى يمينا فهي يمين يكفرها، وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فليس