أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦٢٨
كان بعد العشاء فهو ناشئة "، وعن الحسن مثله، وقال في قوله تعالى: (أشد وطئا وأقوم قيلا) قال: " أجهد للبدن وأثبت في الخير ". وقال مجاهد: (وأقوم قيلا) قال: " أثبت قراءة ".
وقوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا). قال مجاهد: " أخلص إليه إخلاصا ". وقال قتادة: " أخلص إليه الدعاء والعبادة ". وقيل: " الانقطاع إلى الله وتأميل الخير منه دون غيره ". ومن الناس من يحتج به في تكبيرة الافتتاح، لأنه ذكر في بيان الصلاة، فيدل على جواز الافتتاح بسائر أسماء الله تعالى.
وقوله تعالى: (سبحا طويلا)، قال قتادة: " فراغا طويلا ".
وقوله تعالى: " هي أشد وطئا " قال مجاهد: واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء ".
ومن قرأ (وطئا) قال: معناه هي أشد من عمل النهار.
وقوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه) إلى قوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن). قال أبو بكر: قد انتظمت هذه الآية معاني، أحدها: أنه نسخ به قيام الليل المفروض كان بديا. والثاني: دلالتها على لزوم فرض القراءة في الصلاة بقوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن). والثالث: دلالتها على جواز الصلاة بقليل القراءة. والرابع أنه من ترك قراءة فاتحة الكتاب وقرأ غيرها أجزأه، وقد بينا ذلك فيما سلف.
فإن قيل: إنما نزل ذلك في صلاة الليل وهي منسوخة. قيل له: إنما نسخ فرضها ولم ينسخ شرائطها وسائر أحكامها. وأيضا فقد أمرنا بالقراءة بعد ذكر التسبيح بقوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر منه).
فإن قيل: فإنما أمر بذلك في التطوع فلا يجوز الاستدلال به على وجوبها في الصلاة المكتوبة. قيل له: إذا ثبت وجوبها في التطوع فالفرض مثله، لأن أحدا لم يفرق بينهما. وأيضا فإن قوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) يقتضي الوجوب لأنه أمر والأمر على الوجوب، ولا موضع يلزم قراءة القرآن إلا في الصلاة، فوجب أن يكون المراد القراءة في الصلاة.
فإن قيل: إذا كان المراد به القراءة في صلاة التطوع والصلاة نفسها ليست بفرض فكيف يدل على فرض القراءة؟ قيل له: إن صلاة التطوع وإن لم تكن فرضا فإن عليه إذا صلاها أن لا يصليها إلا بقراءة، ومتى دخل فيها صارت القراءة فرضا، كما أن عليه استيفاء شرائطها من الطهارة وستر العورة، وكما أن الانسان ليس عليه عقد السلم وسائر
(٦٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 623 624 625 626 627 628 629 630 631 632 633 ... » »»