أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦١٣
والمتوفى عنهن أزواجهن وأن لا يجعل الحكم مقصورا على المطلقات لأنه تخصيص عموم بلا دلالة.
ويدل على أن المتوفى عنها زوجها داخلة في الآية مرادة بها اتفاق الجميع على أن مضي شهور المتوفى عنها زوجها لا يوجب انقضاء عدتها دون وضع الحمل، فدل على أنها مرادة بها، فوجب اعتبار الحمل فيها دون غيره، ولو جاز اعتبار الشهور لأنها مذكورة في آية أخرى لجاز اعتبار الحيض مع الحمل في المطلقة لأنها مذكورة في قوله تعالى:
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228]، وفي سقوط اعتبار الحيض مع الحمل دليل على سقوط اعتبار الشهور مع الحمل. وقد روى منصور عن إبراهيم عن الأسود عن أبي السنابل بن بعكك: أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين، فتشوفت للنكاح، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن تفعل فقد خلا أجلها ".
وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: اختلف ابن عباس وأبو هريرة في ذلك، فأرسل ابن عباس كريبا إلى أم سلمة فقالت: " إن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجها بأيام، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج ". وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن سبيعة أنها وضعت بعد موت زوجها بشهرين، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، " تزوجي! ". وجعل أصحابنا عدة امرأة الصغير من الوفاة الحمل إذا مات عنها زوجها وهي حامل، لقوله تعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)، ولم يفرق بين امرأة الصغير والكبير ولا بين من يلحقه بالنسب أو لا يلحقه.
باب السكنى للمطلقة قال الله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) الآية. قال أبو بكر:
اتفق الجميع من فقهاء الأمصار وأهل العراق ومالك والشافعي على وجوب السكنى للمبتوتة، وقال ابن أبي ليلى: " لا سكنى للمبتوتة إنما هي للرجعية ". قال أبو بكر: قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن) قد انتظم الرجعية والمبتوتة. والدليل على ذلك أن من بقي من طلاقها واحدة فعليه أن يطلقها للعدة إذا أراد طلاقها بالآية، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها "، ولم يفرق بين التطليقة الأولى وبين الثالثة. فإذا كان قوله: (فطلقوهن لعدتهن) قد تضمن البائن، ثم قال: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) وجب ذلك للجميع من البائن والرجعي.
فإن قيل: لما قال تعالى: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) وقال: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) دل ذلك على أنه أراد الرجعي.
(٦١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 608 609 610 611 612 613 614 615 616 617 618 ... » »»