قيل له: هذا أحد ما انتظمته الآية، ولا دلالة فيه على أن أول الخطاب في الرجعى دون البائن، وهو مثل قوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228]، وهو عموم في البائن والرجعي. ثم قوله: (وبعولتهن أحق بردهن) [البقرة: 228] إنما هو حكم خاص في الرجعي، ولم يمنع أن يكون قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228] عاما في الجميع. واحتج ابن أبي ليلى بحديث فاطمة بنت قيس، وسنتكلم فيه عند ذكر نفقة المبتوتة إن شاء الله تعالى.
واختلف فقهاء الأمصار في نفقة المبتوتة، فقال أصحابنا والثوري والحسن بن صالح: " لكل مطلقة السكنى والنفقة ما دامت في العدة حاملا كانت أو غير حامل ".
وروي مثله عن عمر وابن مسعود. وقال ابن أبي ليلى: " لا سكنى للمبتوتة ولا نفقة "، وروي عنه أن لها السكنى ولا نفقة لها. وقال عثمان البتي: " لكل مطلقة السكنى والنفقة وإن كانت غير حامل " وكان يرى أنها تنتقل إن شاءت. وقال مالك: " للمبتوتة السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا "، وروي عنه أن عليه نفقة الحامل المبتوتة إن كان موسرا وإن كان معسرا فلا نفقة لها عليه. وقال الأوزاعي والليث والشافعي: " للمبتوتة السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا ". قال الله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن)، وقد تضمنت هذه الآية الدلالة على وجوب نفقة المبتوتة من ثلاثة أوجه، أحدها: أن السكنى لما كانت حقا في مال وقد أوجبها الله لها بنص الكتاب إذ كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية، فقد اقتضى ذلك وجوب النفقة إذ كانت السكنى حقا في مال وهي بعض النفقة. والثاني: قوله: (ولا تضاروهن) والمضارة تقع في النفقة كهي في السكنى. والثالث: قوله: (لتضيقوا عليهن) والتضييق قد يكون في النفقة أيضا، فعليه أن ينفق عليها ولا يضيق عليها فيها.
وقوله تعالى: (و إن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) قد انتظم المبتوتة والرجعية، ثم لا تخلو هذه النفقة من أن يكون وجوبها لأجل الحمل أو لأنها محبوسة عليه في بيته، فلما اتفق الجميع على أن النفقة واجبة للرجعية بالآية لا للحمل بل لأنها محبوسة عليه في بيته وجب أن تستحق المبتوتة النفقة لهذه العلة، إذ قد علم ضمير الآية في علية استحقاق النفقة للرجعية، فصار كقوله: فأنفقوا عليهن لعلة أنها محبوسة عليه في بيته، لأن الضمير الذي تقوم الدلالة عليه بمنزلة المنطوق به. ومن جهة أخرى وهي أن نفقة الحامل لا تخلو من أن تكون مستحقة للحمل أو لأنها محبوسة عليه في بيته، فلو كانت مستحقة للحمل لوجب أن الحمل لو كان له مال أن ينفق عليها من ماله كما أن نفقة الصغير في مال نفسه، فلما اتفق الجميع على أن الحمل إذا كان له مال كانت نفقة أمه